دي مستورا يبحث تجميد القتال.. والمــعارضة تشترط محاكمة النظام.. والنظام يدرس المـبادرة

لم تكن جولة المبعوث الأمميّ ستيفان دي مستورا في سوريا، ولقاءاته المتعدّدة مع ممثلين للنظام وللسكان المحليين في بعض المناطق المحاصرة ولفصائل المعارضة، هي التي حرّضت القيادة الأمريكية على تكرار خطاباتها فيما يتعلق بالمسألة السورية. فالرئيس الأمريكيّ أمام تحدٍّ يوجب عليه التنديد بأعمال الأسد وبتنظيم الدولة كلّ أسبوعٍ على أكثر تقدير، وخاصةً مع تراجع أهمية هجمات التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتحدة لمواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في الشرق والشمال السوريين، والتي باتت ذات تأثيرٍ ضعيفٍ إن لم تكن عديمة التأثير، إلا في زيادة المصاعب الاقتصادية والأمنية على السكان في مناطق سيطرة التنظيم. ويساهم حضور الطيران الأسديّ في الأجواء ذاتها التي تحلق فيها طائرات التحالف في بعض المناطق السورية، في زيادة الشكوك حول حقيقة الموقف الأمريكيّ من نظام الأسد. شكوكٌ يمكن لها، إن تصاعدت، أن تؤثر لصالح تنظيم الدولة، رغم التأكيدات الأمريكية بنفيها، وآخرها ما صرّح به باراك أوباما منذ أيام: "ربما لن يكون من الممكن إنزال الهزيمة بمتشدّدي تنظيم داعش من دون إزاحة الرئيس السوريّ بشار الأسد".
إلا أن جولة دي مـــستورا داخل وخارج سوريا، والتي لم تتبدّ نتائجها بشكلٍ عمليٍّ بعد، إلا من خلال دخول مساعداتٍ إنسانيةٍ إلى بعض المناطق المحاصرة، كان لها أن تعطي تحفيزاً جديداً للدول الفاعلة في الملف السوريّ للإصرار على أهمية وجود مبعوثٍ دوليّ، خاصةً وأن الفترة السابقة كانت أقرب إلى غياب هذا الدور تماماً، كما كان فشل الإبراهيميّ سابقاً في التوصّل إلى نتيجةٍ، بمثابة فشل أيّ دورٍ يمكن أن يقدّمه مبعوثٌ دوليٌّ بخصوص سوريا. فما إن أنهى دي مستورا اجتماعه مع وزير الخارجية الروسيّ، سيرجي لافروف، حتى سرّبت صحفٌ ووكالات أنباءٍ أن لافروف عبّر عن موقفٍ جديدٍ للقيادة الروسية، مفادها تعهّد روسيا بالموافقة على عزل الأسد والدائرة المحيطة به، شرط الإبقاء على النظام ومؤسسات الدولة، إضافةً إلى اشتراط تجاوب المعارضة السورية المعتدلة. وهو ما رحّب به المعارض السوريّ والرئيس الأسبق للائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة، الشيخ معاذ الخطيب، الذي فاجأ مناصريه ومعارضيه ونشطاء العمل الإعلاميّ والسياسيّ السوريّ بزيارةٍ إلى روسيا، قال بعدها إن الاجتماعات كانت إيجابيةً، و"تمحورت حول فتح آفاقٍ جديدةٍ للحلّ السياسيّ".

تجميد الصراع في حلب

لم تلقَ مبادرة دي مستورا بتجميد الصراع في حلب "مبدئياً" معارضةً واضحة، إلا أن لكلّ طرفٍّ شروطه الخاصّة عليها، شروطٌ قد تلغي فكرة المبادرة جذرياً. فالثوّار في مدينة حلب وافقوا على المبادرة بشروطٍ هي، كما تقول الجبهة الإسلامية: "إيقاف القصف المستمرّ بكافة أشكاله على القرى والمدن السورية، وسحب العناصر الأجنبية منها، والإفراج عن كافة المعتقلين والمعتقلات في سجون النظام، إضافةً إلى محاكمة قيادة النظام الأمنية والعسكرية، ممثلةً برأسه وكافة المتورّطين بدماء السوريين". بينما قال الائتلاف الوطنيّ، ممثلاً برئيسه هادي البحرة، إن المبادرة غير واضحة، وإنها لم "تُعرَض على المعارضة السورية حتى الآن". ومن جانبه أعلن النظام في دمشق أنه ما زال يدرس المبادرة، وهو ما شككت فيه القيادة الأمريكية، حين قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جنيفر ساكي، إن عدّة هدنٍ عقدت مع النظام كانت أقرب إلى الاستسلام منها إلى اتفاقٍ حقيقيٍّ لوقف إطلاق النار.
وأمام جهود المبعوث الدوليّ للتوصّل إلى هدنةٍ في حلب، تستمرّ المخططات الدولية لحصار تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق سيطرته داخل سوريا والعراق. فقد قال متحدّثٌ باسم الجيش الفرنسيّ إن بلاده ستقرّر قريباً ما إذا كانت سترسل طائراتٍ مقاتلةً إلى الأردن لضرب التنظيم في العراق، بينما بيّنت وسائل إعلامٍ تركيةٌ أن الجيش التركيّ قام بإرسال دباباتٍ إضافية بين مقاطعتي شيرناك ومردين جنوب شرق البلاد على الحدود مع سوريا، كجزءٍ من خطةٍ تركيةٍ لفرض منطقة حظرٍ جوّيٍّ داخل الأراضي السورية، إن لقيت موافقةً غربيةً عليها.