حصيلة غير نهائية للتدخل العسكري الروسي في سورية

ظهرت الطائرات الحربية الروسية بشكل مفاجئ في السماء السورية يوم 30 أيلول من العام 2015، لتبدأ بتدمير المناطق الخارجة عن سيطرة قوات الأسد. في ذلك الوقت بدت العاصمة دمشق مضطربة جداً، ومقطعة الأوصال بالكتل الخرسانية وحواجز التفتيش، وشبه معزولة عن محيطها.

كان الأسد في وضع حرج جداً، وعلى وشك السقوط وفقدان سلطته بحلول نهاية العام. كذلك كانت قواته ـ الأساسية والرديفة (الشبيحة) ـ منهكة للغاية، فقد استنفدت قواها كلياً على جبهات كثيرة، ولم تعد تسيطر سوى على 20 ٪ فقط من الأراضي السورية. ولم يستطع أيضاً كل الدعم الإيراني بالسلاح والذخائر والمليشيات، القادمة بأمر الولي الفقيه من كل حدب وصوب، أن يغير من خارطة السيطرة لصالح الأسد؛ لذلك لم يبق أمام هذا الأخير سوى روسيا ـ الصديق القديم الجديد.

طلب بشار الأسد رسمياً مساعدة عسكرية من فلاديمير بوتين، وكان الأمر يتعلق بدعم قواته البرية من الجو فقط، دون إجراء أية عملية عسكرية على الأرض، حسبما نشرت وكالة أنباء النظام سانا في حينه.

أحيطت العملية بالسرية التامة، إذ لم تُنشر أية معلومات رسمية عن التشكيلات وأنواع الأسلحة والمعدات المشاركة في العملية، ولم يتمكن أحد من معرفة ما يجري إلا بشكل محدود، وذلك عن طريق بعض التقارير الإخبارية عن القتلى والخسائر المادية والتقنية. لكن مع ذلك كانت هناك ردود أفعال دولية مختلفة وتعليقات مناهضة للعملية ومحذرة من عواقب فشلها، فقد نبه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما روسيا من خطر التورط في سورية وتكرار تجربة أفغانستان، متحدثاً بأن «الحرب ستكون مكلفة للغاية.. إذا نظرنا إلى حالة الاقتصاد الروسي، فمن الواضح أنها ليست الفكرة الأفضل لروسيا». في حين صرّح الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسو أولاند بأن «العملية العسكرية الروسية لن تنقذ بشار الأسد». بينما كتبت مجلة «الإكونومست» تحت عنوان «مشاهد جديدة للجماهير» إن «قصف سورية ما هو إلا مسرحية جديدة، تزداد ضرورتها خصوصاً في الوقت الذي بدأت فيه الحرب الأوكرانية مغادرة شاشات التلفاز، مع تلاشي نشوة ضم شبه جزيرة القرم».

لم يستطع أحد إيقاف العملية التي بدأت في سورية، حيث أفادت وزارة الدفاع الروسية، في مساء اليوم نفسه، أن طائرتها قد نفذت نحو 20 طلعة جوية، ووجهت ضربات دقيقة على ثمانية أهداف للدولة الإسلامية؛ لتدخل الصراع من بوابة «محاربة الإرهاب»، رغم أنها لم توجه أية ضربة لداعش إلا مؤخراً؛ في حين كانت كل ضرباتها موجهة لقوات الثورة والمعارضة، لاسيما في حلب!

فقدت روسيا على مدى عامين في سورية 38 مقاتلاً وفقاً للأرقام الرسمية، أما البيانات البديلة فتقرّ بأن مجموع عدد القتلى قد يصل إلى 80 قتيلاً، بينما رفعته بعض المصادر إلى 123 قتيلاً. كذلك فقدت روسيا حاملتي جنود مدرعة، و3 طائرات، و5 مروحيات، بالإضافة لسيارة مدرعة. لكن كل هذه الأرقام غير صحيحة تماماً وبعيدة عن الواقع، بسبب التعتيم الروسي، ومحاولة تقليل الخسائر إلى أقل قدر ممكن.

لم يشارك الروس عموماً في المعارك البرية، إلا في تدمر ودير الزور، واعتمدوا كثيراً على المرتزقة من «مجموعة فاغنر» (راجع العدد 102 من مجلة «عين المدينة»). ربما يفسر هذا قلة خسائرهم في الأرواح والمعدات. لكن هذا لا ينفي النتائج الإيجابية التي حققتها تلك العملية العسكرية لصالح الأسد؛ فقد استعادت قواته وحلفاؤها أكثر من نصف الأراضي السورية وهجّر سكانها.

ووفقاً لـ «المرصد السوري لحقوق الإنسان» فإنه قد قتل أكثر من 4 آلاف مدني نتيجة القصف الروسي، أمّا منظمة العفو الدولية فقد أكدت أن القوات الروسية قد هاجمت المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات في شمال حلب ست مرات على الأقل (من كانون الأول 2015 إلى شباط 2016). ونتيجة للغارات الجوية فقد قتل مالا يقل عن 3000 مدني، لكن العدد الحقيقي قد يصل إلى 28 ألفاً! كذلك استخدمت روسيا أسلحة ممنوعة دولياً، مثل القنابل غير موجهة والقنابل العنقودية في مناطق مكتظة بالسكان. رفضت روسيا الاعتراف أنها قتلت المدنيين بالقنابل العنقودية -شوهدت هذه القنابل في تقرير لقناة RT الروسية-   لأنها تشكل دليلاً على وحشية الروس وعجزهم عن الظهور أمام العالم بأنهم يستطيعون القتال بفعالية وتقنية عالية في حرب لا تزال نهايتها بعيدة.