جيش الأسد المورّد الأوّل لذخيرة "داعش" وسلاحها في سورية

و(80) مليون دولارٍ تكاليف صفقةٍ واحدةٍ من صفقات التنظيم

رغم حروبه على جبهاتٍ عدّة، خلال عامين من بروزه كقوّةٍ رئيسيةٍ في خارطة الصراع في سوريا، لم يعانِ تنظيم "داعش" من نقصٍ في السلاح والذخيرة بشكلٍ عام. يرجع ذلك إلى الغنائم التي حازها في بعض انتصاراته، وإلى موارده المالية الهائلة التي جعلته الزبون المفضّل لتجّار السلاح.

مكاتب التسليح
تعدّ مكاتب التسليح جزءاً من الأجسام العسكرية في كلّ "ولاية"، وتتبع لأمرائها العسكريين. وقد ترك لهذه المكاتب قدرٌ من الحرية والاستقلال في عملها، مع درجةٍ عاليةٍ من التكافل في ما بينها، وخاصّةً في الحالات الطارئة حين يعجز مكتب تسليحٍ ما عن تأمين ما يلزم لولايته. وتحدّد الوظائف الأساسية لهذه المكاتب بما يلي:

  • تأمين إمدادٍ مستمرٍّ من الذخيرة يغطّي احتياجات جيش الولاية، وذلك عبر شرائها من التجار المرخّص لهم بالعمل.
  • جمع وإحصاء غنائم الذخيرة والسلاح التي يحرزها التنظيم في معاركه، وتوزيع نسبة الخمس من القيمة المالية التقديرية لهذه الغنائم على المقاتلين الذين شاركوا في المعركة.
  • إمداد المقاتلين بالذخيرة أثناء المعارك، وذلك عبر سرايا التذخير في الفرق المؤلفة لجيش الولاية.

وبعد الشهر الثامن من العام الفائت ظهر تنظيمٌ جديدٌ لعمل جهاز تسليح "داعش"، إذ ربطت مكاتب تسليح الولايات في سوريا بمكتبٍ مركزيٍّ في مدينة الرقة، اضطلع بجزءٍ من عمل المكاتب الفرعية التي مُنعت الآن من العمل مباشرةً مع التجار، وحُصرت الصفقات معهم بالمكتب الرئيسيّ. ولم تعرف أسباب هذا التغيير، لكن قد يكون تباين أسعار الشراء التي تعرضها كلّ ولايةٍ عن الأخرى، وتفضيل بعض التجار بيع ولايةٍ بعينها، هما السبب وراءه.

12834624_967093966692163_366493361_n
أبو الحسن بارة

يرئس مكتب التسليح المركزيّ للتنظيم في سورية غازي الحاج حسن، المعروف بـ"أبو الحسن بارة" نسبةً إلى قريته البارة في جبل الزاوية في محافظة إدلب. يقارب أبو الحسن حدود الأربعين من العمر. كان قبل الثورة معلم مدرسةٍ، واعتقل لمدّةٍ وجيزةٍ لحيازته أقراصاً مدمجةً لأحد الشيوخ السلفيين. انخرط في العمل المسلح بعد اندلاع الثورة في كتائب شهداء سوريا بقيادة جمال معروف، لينتمي لاحقاً إلى جبهة النصرة ويتفرّغ لتهريب "المهاجرين" عبر الحدود إلى الأراضي السورية، ثم لينتقل إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" فور إعلانها في الشهر الرابع من العام 2013.

بين سوريا والعراق
منذ صيف 2014، موسم انتصارات "داعش"، صارت شحنات الذخيرة والسلاح تتحرّك باتجاهٍ واحدٍ من سوريا إلى العراق، رغم ما استولى عليه التنظيم من مستودعات الجيش العراقيّ قرب مدينة الموصل. وظلت الأسعار دوماً في سوريا أقلّ منها في العراق، لتمكّن "داعش" من بناء شبكة تغذيةٍ فعالةٍ بالذخيرة كانت مستودعات قوّات الأسد المنبع الأساسيّ لها، وفق طريقتين:

  • الغنائم: تبدو كميات السلاح والذخيرة التي استولى عليها التنظيم من الجيش الحرّ والفصائل الأخرى مصدراً عارضاً -على ضخامته- بالمقارنة مع الغنائم التي أحرزها في سلسلة معاركه مع قوّات الأسد، وخاصّةً في الفرقة (17) واللواء (93) ومطار الطبقة في الرقة، والفوج (121) في الحسكة، ومستودعات التسليح في تدمر، وجزءٍ من مستودعات التسليح في دير الزور. ويصعب البتّ في بعض الوقائع التي حققت فيها "داعش" انتصاراتٍ سهلةً وخاطفةً على قوّات الأسد، إذ توحي بعض هذه الانتصارات بتعمّد النظام تسليم "داعش" ما يلزمها من ذخيرةٍ وسلاحٍ لشنّ مزيدٍ من الهجمات والتمدّد على حساب قوى الثورة. وتعدّ الهزيمة المفاجئة والسريعة التي ألحقتها "داعش" بالأسد في مدينة تدمر، في أيار من العام الماضي، المثال الأوضح على المواجهات المشبوهة بين الجانبين، والتي أدّت، في ما أدّت إليه، إلى حيازة "داعش" كمياتٍ كبيرةً جداً من الذخيرة فاضت عن حاجاتها المرحلية، فأوقفت مكاتب التسليح الشراء، وأجّلت طلبيات ذخيرةٍ وسلاحٍ لمدّة ثلاثة أشهرٍ، بعد أن كانت قد اتفقت عليها مع التجار في أوقاتٍ سابقة.
  • الشراء: فضلاً عن الغنائم تأتي عمليات الشراء المباشر كمصدرٍ رئيسيٍّ لسلاح وذخيرة "داعش". وبإهمال شحنات الذخيرة القادمة تهريباً من المناطق المحرّرة في حلب وإدلب على وجه الخصوص -نظراً لضآلتها- تبدو الشحنات القادمة من وحدات جيش الأسد المصدر الأهمّ لمستودعات التنظيم. ورغم المعارك المفتوحة بين الطرفين لم يتوقف ضباطٌ برتبٍ عاليةٍ في جيش الأسد عن بيع كمياتٍ من الذخيرة لتجارٍ يعلم أولئك الضباط أنهم يعملون لحساب "داعش". وخاصّةً في تشكيلات قوّات النظام المنتشرة في الأطراف الشرقية لمحافظة السويداء، وفي محيط بلدات ومدن القلمون الشرقيّ، إضافةً إلى بعض التشكيلات في محافظتي حمص وريف دمشق. ومن هناك تسلك شحنات الذخيرة طرقها عبر بادية الشام وصولاً إلى الرقة ودير الزور، ثم إلى ولايات "داعش" الأخرى في سوريا والعراق.

"داعش" وتجّار السلاح

لا يفرض التنظيم البيعة على تجّار السلاح المتقدّمين للحصول على رخصة عمل، لكنه يشترط عليهم أن يكون المشتري الوحيد لأيٍّ من بضائعهم، تحت طائلة الموت. يمكن لتاجرٍ أن يبيع تاجراً آخر (أكثر ملاءةً في غالب الأحوال) شرط أن يكون المشتري النهائيّ هو مكاتب تسليح "داعش". ويسمح للتجار أيضاً بإقامة صلاتٍ مع وسطاء وشخصياتٍ وضباطٍ في جيش النظام لزوم عملهم. وبالطبع تتاح لهم حرية التنقل من وإلى الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم. وتلعب الواسطة والتزكيات الخاصّة دورها في صعود تاجرٍ بعينه، إذ يتدخل المسؤولون الأمنيون والعسكريون النافذون في تفضيل عرضٍ من تاجرٍ ما على عرض آخر في الصفقات الكبيرة والمستمرّة التي يزمع مكتب التسليح المركزيّ -وقبله مكاتب تسليح الولايات- إبرامها. ففي محافظة دير الزور (ولاية الخير) لعبت العلاقة الوطيدة -وربما الشراكة السرّية- للتاجر (ص. ح. م) من مدينة الميادين مع شقيق أحد الأمنيين البارزين (ع. ع. ن) دورها في تفضيله لتنفيذ عدّة صفقاتٍ كبيرة، مما أسهم في نموّ رأس ماله وصعود علاقاته إلى مستوياتٍ أعلى في قيادة "داعش"، ليصبح واحداً من بين أكبر عشرة تجّار سلاحٍ يعملون لحساب التنظيم.

إلى جانب الواسطة والتزكيات، قد يؤدي نجاح أحد التجار في تلبية احتياجات "داعش" من صنفٍ خاصٍّ من السلاح إلى صعوده واعتماده كخيارٍ محتملٍ لتأمين بعض الطلبات الخاصّة والكبيرة. كالنجاح الذي حققه التاجر (أ. ط. ش) في تأمين شحناتٍ من الـ(T.N.T)، أو ما يعرف بـ(الكوارتز) بلغة السوق، وهي المادة المطلوبة بشدّةٍ من جانب التنظيم لعمليات التفخيخ والتفجير. تألفت الشحنات من (40) ألف (لفافةٍ) اشتراها التنظيم بأكثر من (80) مليون دولارٍ.

تقدير النفقات
للوصول إلى أرقامٍ تقريبيةٍ حول استهلاك "داعش" من الذخيرة لا بدّ من اعتماد مفهوم الوحدة النارية، وهي الذخيرة اللازمة للمقاتل الواحد في يومٍ قتاليٍّ متوسّط الشدّة. وحسب التسليح المعتاد لمقاتلي "داعش" خلال المعارك، تطابق عدّة حامل البندقية من الذخيرة (300 طلقة: 150 محشوّة في المخازن و150 حرّة) الوحدة النارية النظرية لجندي المشاة في الجيوش النظامية. وتقترب العدّة الفعلية التي يحملها كلٌّ من رماة الرشاش ورماة القاذف والقناصين مع الوحدات النارية الافتراضية لكلّ صنفٍ من صنوف هذه الأسلحة. فإذا شنّ التنظيم هجوماً على هدفٍ كبيرٍ مثل مطار دير الزور العسكريّ، لمدّة ثلاثة أيامٍ، بمشاركة (500) مقاتلٍ من مجموعات المشاة، يمكن تحديد استهلاك ونفقات "داعش" من الذخيرة وفق ما يبيّن الجدول التالي:

نوع السلاح عدد المقاتلين       

الوحدة النارية    
(طلقة)

المستهلك لثلاثة أيام         

ثمن المقذوف الواحد    
(دولار أمريكي)

النفقات         
(دولار أمريكي)

بندقية 340 300 306000 0.9 275400
رشاش (ب.ك.س) 92 500 138000 0.9 124200
قناصة 14 75 3150 1 3150
قاذف 54 7 1134 500

567000

وحسب الجدول الذي أعدّ بناءً على فرضياتٍ قريبةٍ من الواقع، وحسب أسعار الذخيرة في نهاية العام الفائت؛ يبلغ مجموع تكاليف الذخيرة اللازمة للمشاة (970) ألف دولارٍ أمريكيٍّ تقريباً. ويصعب تقدير نفقات ذخيرة السلاح الثقيل، مثل الدبابات والمدفعية وغيرها، لكن نظرةً على أسعار ذخائر هذا السلاح تساعد في استكمال التصوّر عن نفقات "داعش" على الذخيرة؛ إذ يبلغ السعر الوسطيّ لقذيفة الدبابة (1300) دولار، وسعر قذيفة الرشاش الثقيل عيار 23 مم (10) دولار، فيما يرتفع سعر صاروخ الكونكورس المضاد للمدرعات إلى (16) ألف دولار.