العدد الأول من مجلة (المنبع) التي أطلقتها داعش باللغة الروسية عام 2015

بعد أن بايع عمر الشيشاني تنظيم الدولة الإسلامية، في تشرين الثاني 2013، وحققت قوات داعش انتصارات لافتة تحت قيادته، بدأ التنظيم دعايته الموجهة إلى المسلمين في روسيا ودول آسيا الوسطى، بغية توسيع نفوذه في هذه المناطق المضطربة وذات الغالبية المسلمة، واجتذاب أكبر عدد ممكن من المتطوعين الغاضبين إلى صفوفه.

استمرت دعاية التنظيم باللغة الروسية على وتيرة واحدة حتى منتصف العام الحالي. وخلال هذه السنوات قامت مؤسسة داعش الإعلامية الناطقة بالروسية، والمعروفة باسم Furat Media (فرات ميديا)، والتي يشرف عليها أبو جهاد الشيشاني (نشرنا عنه مقالاً في العدد الماضي من «عين المدينة»)، بتحديث المعلومات بشكل دوري على صفحاتها في فيسبوك وتويتر وتيليغرام. إلا أنها تراجعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فمنذ بداية تموز 2017 لم تصدر هذه المؤسسة سوى ثلاثة مقاطع فيديو.

في الفيديو الأول، الذي يحمل اسم «قافلة الشهداء»، ويتألف من جزأين، الصادر في 6 تموز، تتحدث «فرات ميديا» عن مقاتلي التنظيم الذين ماتوا كانتحاريين خلال المعارك السابقة في العراق وسورية. كما عرض الفيديو لقطات من الهجمات التي شنها مقاتلو التنظيم، ظهر خلالها شاب يقدم نفسه على أنه أبو عبد العزيز الشيشاني، يبارك إنشاء الخلافة وينهال بالتقريع على المسلمين الذين يرفضون، أو ما زالوا مترددين في الانضمام إلى داعش. كما يهدد روسيا بالجهاد الجديد في شمال القوقاز. ويوجه كلماته الأخيرة إلى أبو بكر البغدادي، حاثاً إياه على عدم الاستسلام، رافعاً همة رفاقه بقوله: «كنا وما نزال أقوياء في مدينة الموصل المحاصرة». تشير هذه الملاحظة إلى أن المقطع صُوّر في وقت سابق من معركة الموصل التي استمرت تسعة أشهر. ينتهي الفيديو بإطلاق النار على سيارة بيضاء تتحرك على طول الشارع الرئيس في المدينة، ثم تنفجر وترتفع غيوم الدخان الأبيض، لتظهر على الشاشة عبارة: «استشهاد أبو عبد العزيز الشيشاني»!

وبعد أسبوع، أي في 14 تموز، أصدرت «فرات ميديا» ​​شريطاً آخر يظهر لقطات تدريبية لمقاتلين من داعش يصوبون بالقناصات. توضح الرسوم البيانية الواردة ضمن الفيديو أنه في غضون شهر قتل قناصو التنظيم 164 مقاتلاً كردياً وجرحوا 90. ويتحدث في الفيديو أحد المدربين، ويدعى زياد الأذري، باللغة الروسية بلكنة داغستانية. وأغلب الظن أن هذا الفيديو قد صور في بداية شهر تموز 2017 في محافظة الرقة.

نشرت مجلة «آفاق الإرهاب»، التي تصدرها جامعة ليدن الهولندية، في عددها الأخير، دراسة بعنوان «تصدعات في الخلافة أون لاين: كيف تفقد الدولة الإسلامية قوتها في معركة الفضاء الافتراضي»، جاء فيها: «عالم الجهاد الافتراضي للدولة الإسلامية، الذي بدأ عام 2014، يشهد تراجعاً حالياً، الأمر الذي ينعكس في تدهور نوعية وكمية إضاءة الأحداث وفعاليتها». غير أن بعض المحللين لا يوافقون على ما جاء في هذه الدراسة، لا سيما في ما يتعلق بالدعاية بالروسية لداعش. إذ قال آدم رايزمان، الخبير في المجموعة الاستخباراتية SITE، في تصريح لـ «صوت أمريكا»: «لم نلحظ انخفاضاً كبيراً في نوعية الدعاية، لأن دعاية «فرات ميديا» في الأساس ​​كانت دائماً غير منتظمة، مقارنة بالدعاية الرسمية لداعش... إن معظم مواد فرات الإعلامية مكرسة لمقاتلين معينين، ولا زالت تواصل نهجها في هذا الاتجاه في الأشهر الأخيرة».

وتشير جوانا باراشوك، الموظفة المستقلة في مركز التحليل البريطاني IHS Jane's، إلى وجود دلائل على أن نشاط دعاية داعش باللغة الروسية على شبكة الإنترنت قد ضعف أيضاً. فمقر الدعاية الناطقة باللغة الروسية لداعش كان في الموصل، وفقدانها المدينة أثر طبعاً على نشاطها الدعائي. ووفقاً لباراشوك أيضاً، فإن القناة الرسمية لداعش باللغة الروسية على تيليغرام أصبحت في الأشهر الأخيرة تنشر معلومات أقل من السابق، وغالباً ما تترجم الأخبار العربية من وكالة «أعماق».

وعلى الرغم من ذلك، فإن تأثير دعاية داعش على جيل الشباب من المسلمين الناطقين بالروسية لا يزال قوياً، وهذا ملحوظ خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية المسلمة في روسيا، كما يذكر محمد تاييف، مراسل وكالة «العقدة القوقازية»: لأن «السياسة القمعية للدولة الروسية في تلك المناطق تدفع الشباب نحو التطرف».

من الطبيعي أن تتراجع دعاية داعش، لا بالروسية فحسب، وإنما بكل اللغات، نتيجة الخسائر التي تتلقاها في كل مكان، وفقدانها جُل إعلاميها المميزين من خلال ضربات طائرات التحالف.. داعش التي بدأت كفقاعة إعلامية، ثم انتفخت إلى درجة كبيرة بالدم الأسود، ستتقلص من جديد لتعود كما كانت.