تحرير الشام والقاعدة: هل انقطعت الروابط إلى غير رجعة؟

مؤسسة البصيرة

قبل أيام، وتحديداً في السابع والعشرين من تشرين الثاني، نشرت هيئة تحرير الشام بياناً رسمياً حمل عنوان (وللقضاء الكلمة الفصل) قالت فيه إنها تسعى لإقامة «كيان سنّي يحشد طاقات أهل الشام.. إلا أن فئات من الناس بنظرتهم القاصرة وتصوّرهم الضيّق المحدود يسعون لتقويض هذا البنيان وبث الأراجيف فيه»، وهو ما استدعى إحالتهم للقضاء بعد فشل مساعي الصلح والاحتواء وتزايد ضررهم وفسادهم، حسب البيان.

شنت تحرير الشام حملة اعتقالات طالت قادةً من الصفّين الأول والثاني في صفوفها، كان أبرزهم د. سامي العريدي الملقب بـ (أبو محمود الشامي) سلفي جهادي أردني الجنسيّة، ويعدّ من أكبر المرجعيات الشرعية ضمن (جبهة النصرة) باعتراف الجولاني في مقابلة له على قناة الجزيرة عام 2013، وقد تولّى منصب الشّرعي العام فيها، وهو عضو اللجنة العلمية ومجلس الشورى في فتح الشام. كما طال الاعتقال إياد الطّوباسي وهو سلفي جهادي أردنيّ الجنسية يعرف بـ «أبو جليبيب» وهو والي درعا السابق لدى النصرة، وسبق له أن انشق عنها بعد إعلان فك الارتباط، وتمكّن من سحب مئات المقاتلين معه، ليعلن انضمامه لتنظيم القاعدة بشكل مباشر. بالإضافة إلى أبو سليمان السوري وأبو هاجر وهما من قيادات (أنصار الفرقان)، وكان أبو سليمان قائداً عسكرياً في «جبهة النصرة» في وقت سابق.

يشكّل المعتقلون الثلاثة الأوائل قادة التيار المتشدد والمتصلّب بمواقفه تجاه الدول داخل الهيئة وخارجها، حيث تنبني آراؤهم ومواقفهم وفق أدبيّات القاعدة ومنهجها، خلاف الجولاني الذي يتّسم منهجه بالبراغماتية في كل تعاملاته ومواقفه تجاه الثورة وفصائلها. وصحيحُ أنّ معظم من اعتقلتهم الهيئة مهاجرون، إلا أنّ الحملة لا تستهدف المهاجرين فحسب، وإنما تطال كل من يشكل عائقاً أمام مشروع الجولاني، فالكثير من المهاجرين لا يزالون في صفّ الهيئة «يرقّعون لها» كما ورد على لسان الجولاني في أحد التسريبات. ومن أبرز هؤلاء أبو اليقظان وأبو الفتح الفرغلي وأبو شعيب وجميعهم مصريون، كذلك الزبير الغزي والتونسي الإدريسي، ويشكّل هؤلاء رأس الحربة في المعارك ضد خصوم الهيئة، وفي تسجيل مسرّب قال أحد عناصرها إن أبو اليقظان قام بتعنيفه وفصله لانتمائه للقاعدة. أما المنظرون لفكر القاعدة في الخارج فقد انحازوا إلى جانب تنظيم القاعدة، حيث حثّ د. طارق عبد الحليم قادة الهيئة وشرعييها على الانصياع لأقوال أبو قتادة الفلسطيني وهاني السباعي، أما المقدسي فقد أوضح أنّه لم يكن يتوقع أيّ استجابة من قبل تحرير الشام لمبادرة الصلح التي وقّع عليها مع غيره للإصلاح بين الفريقين قبل أيام.

سرعان ما بدأت ردود الفعل تظهر بين مكونات هيئة تحرير الشام، حيث صدرت عدة بيانات استنكرت اعتقال القادة وطالبت بإطلاق سراحهم فوراً، ومن أبرز البيانات يأتي بيان جيش النصرة في إدلب، وأجناد الشام وأبو يحيى التونسي، وبيانات أخرى وقّع عليها عدد كبير من قيادات الهيئة من عسكريين وشرعيين وإداريين، ومعظمهم من غير السوريين، أما عبد الله المحيسني الذي يعرّف نفسه بـ(الداعية المستقل) فكعادته دعا الفريقين للمثول أمام محكمة شرعية!

من جانبه خرج زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بتسجيل فتح فيه النار على الجولاني، اتهمه فيه بـ«نكث العهد» وأعلن رفضه تحويل هيئة تحرير الشام إلى مشروع محلي فقط، مؤكداً أنه لم يقبل بحَـلّ البيعة لـ(جبهة النصرة) وأضاف: البيعة بيننا عقد ملزم يحرم نكثه. وتأتي رسالة زعيم تنظيم القاعدة بمثابة تهديد للجولاني، حيث دعا الظواهري من وصفهم بـ «جنود قاعدة الجهاد في الشام» للتواصل مع قيادة القاعدة مباشرة وهي جاهزة لخدمتهم، في إشارة منه إلى ولادة فرع جديد للقاعدة في سورية يؤوي المنشقين عن هيئة تحرير الشام، إلا أنه عرض إلغاء هذه الفكرة بشرط «اتحاد جميع المجاهدين وقيام حكومة إسلامية».

وبحسب الباحث والمتابع لشؤون «الجماعات الإسلامية» عباس شريفة فإن مشكلة الجولاني سلطوية بحتة، فبالتزامن مع الاستحقاقات السياسية والتفاهمات الدولية في المنطقة، والتي تشكل هيئة تحرير الشام رأس الحربة فيها بريف حلب الغربي وإدلب، يبحث الجولاني عن اعتراف دولي، ولعلّ ذلك ما يفسر تشكيل أجسام مدنية خاضعة له في إدلب وريف حلب الغربي، واستثماره ملف (محاربة الإرهاب)، فهو يحارب على جبهتين بنفس الوقت، داعش والقاعدة، وهذا ما لم يسبقه به أحد، حتى وصل الأمر به إلى المزاودة على التحالف الدولي في (محاربة الإرهاب).

على ما يبدو يسعى الجولاني لاستنساخ تجربة حزب الله في لبنان، ولذلك سارع لكبح جماح الأصوات التي يُتوقع أن تغرّد خارج السرب، وما يعقده من تحالفات مصلحية ومرحلية هنا وهناك لا تتعدى كونها مجرّد تكتيكات بهدف إضعاف وتشتيت الخصوم، قبل الانقضاض عليهم. ولكن، ومع تمرّد قادة وجنود في تحرير الشام على قرارات القيادة، إضافةً لكلمة الظواهري، فهل ستبقى الهيئة متماسكة، أم أن الأيام المقبلة ستشهد ولادة فرع جديد للقاعدة في سورية؟