بعد احتلال بلداتهم.. طلاب الجامعة والمعاهد في الغوطة الشرقية يعودون لـ «البكالوريا» والتاسع

من صفحة أكاديمية مسار على الفيسبوك

كعادتها، تضع إيمان. م (19 عاماً) من مدينة سقبا في ريف دمشق علامةً على "رزنامة يومية" تستعين بها على تمضية الوقت، هذه المرة لا تحصي طالبة المعهد التقاني للحاسوب عدد الغارات والصواريخ والشهداء في مدينتها المحاصرة سابقاً (دخلت قوات الأسد إلى سقبا في آذار 2018)، وإنما الأيام التي تفصلها عن خوض امتحانات الشهادة الإعدادية! فإيمان التي آثرت البقاء في المدينة بعد دخول قوات الأسد إليها، أجبرتها قوانين وزارة التربية في حكومة النظام، لإكمال دراستها، على خوض آخر شهادة تعليمية حصلت عليها من قبل الوزارة، رافضة الاعتراف بجميع الشهادات التي حصلت عليها من المدارس التابعة للمعارضة.

حال إيمان كحال المئات من طلاب الغوطة الشرقية الذين آثروا البقاء في بيوتهم لأسباب عديدة أهمها متابعة تحصيلهم الدراسي، على حد قول إيمان. وبالرغم من ظروف الحرب والقصف من قبل قوات الأسد على المنطقة، والتدقيق الأمني الذي مارسه الشبيحة على الكادر التدريسي واحتجاز بعضهم وتأخيرهم لأيام على العودة إلى مدارسهم في كل مرة يذهبون فيها إلى دمشق لقبض رواتبهم، تابع آلاف الطلاب دراستهم في كافة المراحل التعليمية، وشكّلت الفتيات النسبة الأكبر من الطلبة فـ "التعليم أهم من الشهادة، حتى لو لم يُعترف بها" تقول إيمان هذا كان مبدأ معظم الأهالي في المنطقة.

ومع افتتاح فرع لجامعة حلب الحرّة في الغوطة الشرقية إضافة إلى أكاديمية مسار وجامعة رشد في نهاية عام 2015، وجَد طلاب الغوطة في هذه الكليات أملاً جديداً لإكمال تحصيلهم العلمي في مختلف الفروع كـ (الطب البشري والأسنان والآداب وإدارة الأعمال والصحافة..، إضافة للمعاهد المتوسطة ومعاهد إعداد المدرسين)، ففي عام 2017 بلغ عدد الطلاب في معاهد إعداد المدرسين بفروعها المختلفة (772 طالبة و102 طالباً)، في الوقت الذي خرّجت فيه أكاديمية مسار 48طالباً، أما جامعة حلب الحرة فقد احتفلت بتخريج 24 طالباً في الكليات الطبية والعشرات من الطلبة في الفروع الأخرى.

ومع دخول قوات الأسد إلى الغوطة وتهجير أهلها "عاودت الحرب عبثها بمستقبلنا من جديد، فخرجت خمس طالبات من زميلاتي في المعهد (البالغ عددهم 15) في رحلة التهجير القسري إلى الشمال السوري، أما من آثر البقاء فقد وجد ما كان يخشاه حاضراً أمامه حين رفضت مديرية التربية التابعة النظام الاعتراف بشهادتي وزميلاتي، واشترطت علينا معاودة خوض امتحان شهادة التعليم الأساسي أولاً!" تقول إيمان.

في باحة منزلها دمشقيّ الملامح، تجلس إيمان بجوار أختها سارة (طالبة طب بشري) تتبادلان التندّرات عن النظام وقراراته وما قد يبتدع لاحقاً، تستذكران ظروف امتحانات خاضتاها سوياً على وقع القصف.

تُعرّف سارة (22 عاماً) عن نفسها بتهكم ملحوظ بأنها «نص دكتورة»، إلا أن «البخت» لم يُحالفها. تقول بملامح اعتادت الصدمات: "قبيل خروج المعارضة من سقبا كنت قد أنهيت السنة الثالثة من دراستي للطب، لكن تربية النظام أعادتني إلى المرحلة الثانوية العامة، دون الاعتراف بشهادتي لمجرد أني درست مناهج الائتلاف التي لا تختلف عن نظيره المعتمد من النظام سوى خلوه من صور الأسد ورموزه!"

ليس هناك من فوارق بين مناهج الائتلاف والنظام (المعتمد من قبل منظمة اليونيسكو) سوى في الأمور الشكلية التي تخص الحديث عن رموز النظام وبعض التواريخ التي تم تعديلها وتنقيحها من قبل 20 مؤلفاً، مع الحفاظ على المادة العلمية الصرفة بحسب موقع الائتلاف. تُبدي سارة استغرابها من عدم الاعتراف بشهاداتهم بالرغم من تطابق المنهجين والظروف الصعبة التي عاشتها وأقرانها للحصول على هذه الشهادات، تقول: "أذكر حينها أني خضت امتحان الثانوية العامة بُعيد زواجي بأيام، واجتزته بمعدلٍ خوّلني دخول كلية الطب البشري" كل ذلك ذهب سدى، وبات على الطلاب العودة إلى مقاعد الدراسة من جديد، حتى أولئك الذين تخرجوا من الجامعة! وتتساءل لماذا لا يقوم النظام بإجراء سبر معلومات لهم أو تعديل شهاداتهم وإلحاقهم بالجامعات "وتحميلهم بعض المواد" أسوة بمعظم جامعات العالم؟

طلاب كثر خرجوا إلى الشمال السوري في رحلة التهجير الأخيرة، وأصدرت مديرتا التربية الحرة في حلب وإدلب قراراً بإلحاقهم بالجامعات، حسب فروعهم، دون شروط ودون رسوم تسجيل أيضاً، إذ التحق أكثر من 300 طالباً بمقاعد الدراسة لإكمال تعليمهم. وتحتضن جامعات ومعاهد الشمال السوري أكثر من 15 ألف طالب ضمن فروعها المختلفة التي افتتحتها منذ 2015، والتي حازت على اعتراف من قبل دول عديدة كالسعودية وتركيا وألمانيا وفرنسا، وحظي خريجوها بمنح دراسية خارج البلاد.

 قرار النظام الملزم بإعادة خوض الامتحان بدا في نظر إيمان "طلب هين" لتوافقها سارة باستسلام.. لكل قرار حياتي ضريبته وضريبة البقاء في "سجن الوطن" إحصاء شهور "الروزنامة السميكة"، واجتياز اختباراتٍ كنّ قد اجتزنها سابقاً، بدلاً من العيش في "حرية المنفى".