الوضع الطبي في دير الزور

عدسة كرم | خاص عين المدينة

عدسة كرم | خاص عين المدينة

عدسة كرم | خاص عين المدينة

عند التكلم عن الوضع الطبي في سوريا تتبادر إلى ذهن القارئ صورة المشافي الميدانية وجرحى ملقون على أسرة معاينة  يقطر منها الدم أو طبيب يوجه نداء استغاثة. هذا الانحسار في النظر إلى الوضع الطبي وحصره بما يسمى طبياً بالعمليات الحارة، مردهُ واقع الثورة بجانبها العسكري المنتشر في كل أرجاء سوريا.
لكن، وبالنظر من زاوية أخرى، فان الجانب الطبي الذي يعرف بالبارد، والذي يشمل الأمراض الطارئة والموسمية وصولاً للعضال منها والتي يصاب بها الناس أو كانوا مصابين بها أساساً، طاله ما طال نظيره الساخن من ندرة الكوادر البشرية والمعدات والمشافي في دير الزور.
وكأي مدينة ثائرة في سورية، مع القصف الجنوني التي تعرضت له معظم أحياء المدينةوالذي أدى لنزوح عدد كبير من سكانها على اختلاف أعمالهم،

حصل نقص هائل في كوادرها الطبية التي غادرت المدينة إلى خارجها أو إلى الأحياء الآمنة منها، وبقي المرض على اختلاف أنواعه ودرجاته وطرق التداوي منه، ابتداءً من الزكام وحتى المرض العضال، وهنا تبدأ أولى فصول المعاناة التي أصابت الجميع كأم محمد المرأة الفقيرة التي تعيش مع أولادها الثلاثة في حي الحميدية (من الأحياء المحررة) والتي أصيبت بورم خبيث في الرحم ولم تعلم بإصابتها حتى وقت متأخر، ولعدم وجود طبيب مختص تحتاج إلى السفر الى خارج المدينة.
وتقول أم محمـــــــد:
"انا فقيرة وما عندي مصاري أعيش جوزي كان يشتغل أجير بمحل وبسبب هالأوضاع قعد وما بي شغل ونحن هسع عايشين ع المعونة ورحت شفت دكتور  قال بدها عملية جراحية فورية وحصراً بالشام لإنو ما بي دكاترة بالدير وأنا ما عندي مصاري تا أسافر عالشام شلون بدي أساوي العملية ووين بدي أقعد بالشام".
ويتشارك أطباء الأحياء المحررة ذات المعاناة مع سكانها، فهم أيضاً يشكون نقص التجهيزات والمعدات الطبية في عملهم والتي لم تعد تكفي لمعالجة الاصابات التي تفد الى المشفى.
يقول أحد الأطباء هناك، والذي لم يكشف عن اسمه: هناك نقص حاد في المساعدات الطبية التي نتلقاها، ولا يوجد لدينا المال الكافي لتغطية كافة نفقات المرضى الذين يحتاجون إلى السفر كي يحصلوا على العلاج. هناك أيضاً، وليس بعيداً عن الأحياء المحررة، في القسم الخاضع لسيطرة النظام (الجورة والقصور) حيث يعيش ما لا يقل عن مائتي ألف  من السكان حسب تقديرات بعض الناشطين، ليس الحال بأحسن من  في سابقه، فهذه المنطقة المكتظة سكانياً لا يوجد فيها سوى عشرة أطباء باختصاصات مختلفة، إضافة إلى أربعة من أطباء الأسنان لهم نفس المعاناة مما اضطرهم لاستئجار غرف كيفما اتفق لتكون عيادة بلا تجهيزات طبية وليقتصر عملهم على التشخيص ووصف الدواء أو الإحالة على المشافي في المدن الكبرى كدمشق، وذلك بسبب تعطل عمل المشفى الحكومي في المدينة، والذي كان يعرف سابقاً بمشفى الأسد، وغياب كوادره وتعطل معظم تجهيزاته. ويجد المريض نفسه أيضاً مضطراً إلى السفر مسافات طويلة للتداوي،

كالحاج أبو محمد المصاب بقصور كلوي والذي يحتاج لغسيل كليته مرة كل أسبوع متحملاً مشقة السفر بما يحمله من مخاطر وتعرضه للمرور على حواجز النظام في كل مرة يسافر فيها لغسيل كليته فيختصر تلك المعاناة بكلمات قليلة فيقول : "أنا قام أتعذب. سفر وتعب وحواجز وخليها على الله" هذا كله فضلاً عن الظروف القاهرة كالاشتباكات كما حصل مع أم خالد حين ارتفعت حرارة طفلها ليلاً والتي اضطرت إلى الانتظار حتى الصباح وعند ذهابها الى المشفى العسكري قام أحد الضباط بالصراخ في وجهها قائلاً لها: "شو جايبك من وجه الصبح" وعندما قالت له: "ابني رح يموت" أجابها باستهزاء: "بالناقص..".ولا يعرف هؤلاء المرضى متى يوم الخلاص حيث يستطيعــون الذهاب الى الطبيب كما يفعل كل المرضى في العالم..