الهجوم على الرقة

تقرير خاصّ

أطلقت قوّات سوريا الديمقراطية، في 24 من الشهر الماضي، معركةً ضد تنظيم داعش جنوب تل أبيض لانتزاع مدينة الرقة منه. وبعد أسبوعٍ من ذلك تضاربت التصريحات وفترت المعارك على الأرض، فما الذي يحدث؟ وهل بات خروج التنظيم من الرقة وشيكاً؟ شنت قوات سوريا الديمقراطية، مدعومةً بطيران التحالف، هجوماً على الريف الشماليّ لمدينة الرقة انطلاقاً من عين عيسى. وأعلن المتحدث باسم تلك القوات أنها سيطرت على قريتي النمرودية والهيشة، بالإضافة إلى عدّة مزارع جنوب عين عيسى، في اليوم الثاني من المعركة، فيما نفت وكالة أعماق التابعة لتنظيم داعش تلك التصريحات وبثت تسجيلاً مصوّراً يظهر مقاتلين من التنظيم في قرية الهيشة، كما أعلنت عن مقتل 33 عنصراً من القوات الكردية بتفجير عربةٍ مفخخةٍ عند حاجزٍ لتلك القوّات جنوب عين عيسى. وبعد عدّة أيامٍ على المعركة أعلنت روجا فيلات، القيادية في قوّات سوريا الديمقراطية، أنهم بدأوا بفتح جبهةٍ جديدةٍ شرق نهر الفرات للهجوم على مدينة الطبقة. ولم تسفر الاشتباكات عن أيّ تقدمٍ وقتها. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أرسلت، في 25 نيسان الماضي، 250 عسكرياً إلى سوريا قالت إن مهمتهم تقتصر على تدريب قوات سوريا الديمقراطية. وأفادت وكالة أسوشيتد برس أن الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، قام بزيارةٍ خاطفةٍ إلى سوريا قبيل انطلاق معركة الرقة. وأعلن بريت ماكغورك، المبعوث الخاصّ للرئيس الأمريكيّ للتحالف ضد تنظيم داعش، أن زيارة فوتيل كانت للتحضير للمعركة. وكانت القوات الكردية قد سيطرت على مدينة تل أبيض في منتصف حزيران 2015 بدعمٍ من طيران التحالف، وأكملت التقدم لتسيطر على سد تشرين في أواخر العام الماضي تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف قوّاتٍ عربيةٍ وأرمنيةٍ وتركمانيةٍ وكرديةٍ بقيادة YPG (الجناح العسكريّ لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD) الذي يشكل عناصره الغالبية العظمى من مقاتلي هذه القوات. ومنذ ذلك الحين استقرت جبهات القتال بين القوات الكردية وتنظيم داعش، باستثناء عمليات التسلل التي قام بها مقاتلون من التنظيم في مدينتي تل أبيض وكوباني. وتفصل بين الطرفين قرى خربة هدلا والفرحانية والفاطسة وشمال خنيز، وهي تقع على طريق الرقة حلب جنوب غرب عين عيسى.   أهالي الرقة لا حولٌ ولا قوة قبيل انطلاق المعركة ألقت طائرات التحالف منشوراتٍ تطالب أهالي الرقة بمغادرتها، مما سبّب نزوحاً خوفاً من قصف التحالف. يعيش في مدينة الرقة حالياً قرابة 350 ألف نسمة، 50 ألفاً منهم نازحون من مدنٍ أخرى، بحسب ناشطين من الرقة قالوا إن تنظيم داعش أعلن، عبر مكبّرات الصوت في المساجد، السماح بالنزوح إلى ريف الرقة الجنوبيّ. ونشرت صفحاتٌ إخباريةٌ على الفيس بوك أن التنظيم منع الأهالي من حمل أثاث منازلهم. ويذكر أن التنظيم كان يمنع الأهالي من مغادرة مناطق سيطرته، منذ عدّة أشهرٍ، إلا للحالات الطبية أو التجارية، وهو ما يراه ناشطون محاولةً لاستخدامهم كدروعٍ بشرية. ويتخوّف الأهالي من سيطرة الوحدات الكردية على الرقة بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها في منطقة تل أبيض، من تهجيرٍ للقرى العربية واضطهادٍ للأهالي واعتقالٍ بحجّة الانتماء إلى تنظيم داعش. وهو ما استغله التنظيم في خطب الجمعة محرّضاً الأهالي على الانضمام إلى صفوفه للدفاع عن أرضهم. ويقول أحد السكان إن هذه النداءات لاقت قبولاً عند بعض الأهالي الذين يفضلون بقاء التنظيم على سيطرة الوحدات الكردية.   الهجوم بين رغبة أميركا وطموح الوحدات الكردية بعد أسبوعٍ من انطلاق المعركة لم تفلح قوّات سوريا الديموقراطية في التقدم كثيراً، واقتصرت سيطرتها على بعض المزارع بالقرب من عين عيسى، على عكس ما حصل عند سيطرة تلك القوات على مدينة الشدادي عندما استغرقت المعركة ثلاثة أيامٍ فقط. وكانت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية قد نقلت عن طلال سلو، المتحدث باسم قوّات سوريا الديموقراطية، أن هدف المعركة هو السيطرة على الريف الشماليّ للرقة ولا توجد أيّ خطةٍ لما بعد ذلك. وأضاف أن المعركة ستسير ببطءٍ بسبب استخدام داعش الألغام والمفخخات. بينما يرى محللون أن الوحدات الكردية لا ترغب في السيطرة على مدينة الرقة، وأن دخولها المعركة هو لكسب رضى الأمريكان والحصول على مساعدتهم في استكمال معركة الوحدات لوصل المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوريّ ببعضها. وهذا ما صرّح به إدريس نعسان، المسؤول السياسيّ لحزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة عين العرب «كوباني»، لإحدى وسائل الإعلام، حين قال إنه يعتقد أن الوحدات الكردية ستحظى، بعد الهجوم على الرقة، بموافقة أمريكا للهجوم على منبج. ويرى ناشطون أن السيطرة على الرقة ستشكل عبئاً ثقيلاً على الوحدات الكردية يستنزف مقاتليها، كما أنها لا تقع ضمن الجغرافيا التي تسعى الوحدات إلى السيطرة عليها.   ردّة فعل داعش على المعركة في الوقت الذي تهاجم فيه قوات سوريا الديمقراطية الرقة شنّ التنظيم هجوماً على مدينة مارع في ريف حلب الشماليّ وسيطر على عددٍ من القرى بالقرب من الحدود التركية، وبذلك قطع خط الإمداد الذي يصل مارع بإعزاز وكرّر محاولاته اقتحام مارع. وبحسب مصادر مقرّبةٍ من التنظيم فإنه استقدم -ولعدّة مرّات- تعزيزاتٍ من دير الزور باتجاه ريف حلب الشماليّ في الوقت الذي لم تشهد فيه جبهات القتال في الرقة أيّ حشدٍ من قبل التنظيم. ويقول ناشطون إن الهجوم على مارع يدلّ على اطمئنانٍ غريبٍ لدى التنظيم تجاه معركة الرقة أكده بعض سكانها بعدم مشاهدتهم تحرّكاتٍ عسكريةٍ في المدينة كما حدث عند سيطرة الوحدات الكردية على تل أبيض. ويرى أحد المحللين ان إصرار التنظيم على الهجوم على مارع في هذا الوقت يعكس رغبته في جرّ تركيا إلى معركةٍ لن تسلم الوحدات الكردية منها. فكما هو معروفٌ يسعى حزب PYD إلى السيطرة على إعزاز، ولن يجد مبرّراً أفضل من سيطرة داعش على تلك المنطقة لتنفيذ مخططه، وحينها سيكون الأتراك أمام خياراتٍ صعبة؛ فداعش -التي تقصف مدينة كلس التركية بشكلٍ مستمرّ- أصبحت على تماسٍّ معهم، وإلا فستمدّد الوحدات الكردية -عدوّ تركيا الأكبر- على مساحاتٍ أوسع عند الشريط الحدوديّ، وعندها سيضطرّ الأتراك إلى تدخلٍ برّيٍّ تكون الوحدات الكردية أحد أهدافه إن لم تكن هدفه الأول، ما يعني استنزافاً للقوّة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة داعش في سوريا، وهذا ما يبحث عنه التنظيم ليضمن بقاءه لأطول مدّةٍ ممكنة. ولكن هل سينجح التنظيم في ذلك؟ يقول أحد متابعي شؤون التنظيم إن داعش منهكةٌ عسكرياً وتعاني من نقصٍ حادٍّ في المقاتلين، ولم تعد قادرةً على حشد أعدادٍ كبيرةٍ لمعاركها كما حدث في كوباني والحسكة. إذ فقدت عدداً هائلاً منهم جرّاء قصف التحالف والمعارك التي خاضتها منذ عامين حتى الآن، ولذلك تعتمد في قتالها على المفخخات التي قلما تنفع في المعارك على أرضٍ مفتوحةٍ كالتي تخوضها في الأرياف وأطراف المدن. إضافةً إلى أن قسماً كبيراً من مقاتلي التنظيم في سوريا حالياً هم من المراهقين الذين لا يملكون أيّ خبرةٍ في القتال. وهذا ما يجعل مسألة سيطرته على مارع أمراً مستبعداً، وكما رأينا فقد تراجعت داعش عن بعض القرى التي سيطرت عليها مؤخراً. وإن حشد قواتها على مارع في الوقت الذي تستعدّ فيه قوات سوريا الديمقراطية للهجوم على منبج دليلٌ على تخبّط التنظيم الذي قد يخسر مناطق سيطرته في الريف الشماليّ لحلب بالكامل لو سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على منبج. ويرى أحد الخبراء في السياسة التركية أن تدخلاً برياً من الأتراك سيزعزع أمنهم، ولو كان في مقدورهم لفعلوه منذ زمنٍ قبل أن تتمدّد الوحدات الكردية وتسيطر على مساحاتٍ واسعةٍ من الحدود مع تركيا. ولذا فإن المرجّح سيكون تفاهماً أميركياً تركياً يقضي أن تكمل الوحدات الكردية معركتها ضد داعش في منبج والباب وصولاً إلى تل رفعت، تاركةً الشريط الحدوديّ الممتد من إعزاز إلى جرابلس تحت سيطرة الجيش الحرّ. حتى الآن تسير معركة الرقة ببطءٍ وباستراتيجيةٍ غير واضحة المعالم. فبالتزامن مع الهجوم على الرقة قامت الوحدات الكردية بفتح جبهةٍ جديدةٍ في المعركة مع داعش غرب سد تشرين بالقرب من منبج، فهل ستؤجل الهجوم على الرقة على حساب منبج؟