القوة الإسرائيلية الناعمة في الجنوب السوريّ... هل نجحت في تحقيق غاياتها؟

منذ بزوغ فجر الثورة السورية كانت الأعباء تزداد يوماً بعد يوم، وكانت محاولات تشتيت ثورة الشعب تلك وتشويهها جاريةً على قدم وساق. ولم تكن تهمة تعامل الأطراف الثورية مع الاحتلال الإسرائيليّ بعيدةً عن ذلك، بل كانت على رأس الاتهامات التي طالما سوّق لها نظام الأسد محلياً وخارجياً، مدّعياً لنفسه مقاومة الاحتلال والمطالبة الكلامية باسترجاع الجولان المحتل دون أفعالٍ عمليةٍ تذكر.

السيد أبو أوس العربي، رئيس رابطة مثقفي الجنوب السوريّ، وخلال لقاء خاصٍّ لـ«عين المدينة» قال: «خلال السنوات الماضية فرض نظام الأسد حصاراً مطبقاً على المناطق المحرّرة التي كانت مساحتها تزداد شهراً بعد شهر، واستفحل سوء الوضع الطبيّ بسبب منع دخول الأدوية والمعدّات وقيام طائرات النظام -وبعدها الطائرات الروسية المساندة- باستهداف المشافي وكوادرها المختصّة، فضلاً عن هجرة عددٍ كبيرٍ من الأطباء والممرّضين نتيجة تعرّضهم للاعتقال التعسفيّ أو للاضطهاد الوظيفيّ في دوائر النظام. وكان هذا سبباً أساسياً في توجه الجهات الطبية المعنية في المناطق المحرّرة نحو الأراضي المجاورة خارج الحدود للاستعانة بما تقدمه من خدماتٍ طبية».

يروي العربي حكاية بداية التدخل الإسرائيليّ في الجنوب فيقول: «منذ بداية الثورة دأب الاحتلال على رسم مخططٍ لتنفيذ أهدافه وغاياته، محاولاً طمس قضية الجولان التي يعدّها السوريون قضيتهم الأولى. فمنذ أن تمت محاصرة الثوار عام 2012 في أحراش بريقة وبير عجم ومن ثم جباثا الخشب بريف القنيطرة، واقتصار المعركة آنذاك على رقعةٍ جغرافيةٍ ضيقةٍ جداً متاخمةٍ للحدود مع الجولان المحتل؛ عرض الاحتلال الإسرائيليّ استقبال جرحى المعارك مع قوات النظام وتقديم العلاج لهم، وبدأ تعامله مع بعض الأشخاص مستغلاً الحاجة الملحة لعلاج المصابين. وهنا وقف الناس بين مؤيدٍ ومعارضٍ لهذا التعامل».

يقول العربي إن القوة الإسرائيلية الناعمة قامت على محاولة التعاون مع بعض الأشخاص والجهات لتثير عاطفةً إيجابيةً وتشجع الحاضنة الشعبية، ولتصل بالناس إلى النتيجة المرجوّة (إسرائيل أرحم من نظام الأسد، فلنتعاون معها). فلم تدخر جهداً في «دق الأبواب لطرح المساعدة في مجال الإغاثة، وهي تعمل بشكلٍ كبيرٍ على تحقيق اختراقاتٍ لتطوير مشاريع مشتركةٍ في الجنوب السوريّ الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، واستغلال احتياجات الناس المعيشية والحياتية، وحاولت مراراً وتكراراً صنع عملاء لها من ضعاف النفوس».

وأين الحاضنة الشعبية والجهات المدنية مما يجري؟ سؤالٌ طرحناه على السيد أبو أوس فقال: «حاولت قوات الاحتلال استغلال احتياجات السوريين في الجنوب بهدف نقل المناطق المجاورة لها من مناطق تتعامل مع الوضع بسلبية، وتؤمن بوجود أراضٍ محتلة، إلى مناطق إيجابيةٍ تنسى هذه الأراضي. وخلال العام 2016، وبعد انتهاء ولاية مجلس محافظة القنيطرة، الضعيف أصلاً والمفتقر إلى كافة الإمكانيات، أوعزت إسرائيل إلى بعض عملائها بتشكيل مجلس محافظةٍ قام باستجلاب مساعداتٍ إغاثيةٍ إسرائيليةٍ وزّعت على نطاقٍ ضيقٍ جداً لجسّ النبض. لكن ضجةً إعلاميةً أثارت عاصفة ردودٍ شعبيةٍ مناهضةٍ لمجلس المحافظة وقراراته أطاحت به بعد نحو شهرٍ ونصف من تشكيله، وفشل هذا المشروع فشلاً ذريعاً. كما فشل قبله مشروعٌ إسرائيليٌّ آخر هو مشروع الجيش السوريّ الموحد الذي وُجّهت الأنظار إليه ليكون على شاكلة جيش أنطوان لحد في جنوب لبنان. نعم، لقد كان الوعي الشعبيّ والروح الوطنية العالية لأبناء الجولان عاملين حاسمين في إفشال مشاريع القوة الناعمة الإسرائيلية».

وينوّه العربي إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيليّ تسعى جاهدةً إلى توجيه ضرباتٍ لمواقع النظام السوريّ العسكرية، ظناً منها أن ذلك سيكسبها القبول لدى الثوار وحاضنتهم الشعبية. لكن هذه الضربات، على العكس من ذلك، تزيد البغض في صفوفهم لأنها تحاول الإيحاء بوجود تنسيقٍ مع الثوار الحقيقيين وهو غير موجود. قد تتعاون إسرائيل مع بعض العملاء، لكن كل ثائرٍ حرٍّ يلفظها ويرفض التطبيع معها».

وأخيراً يضيف العربي: «بالرغم من الوعي الشعبيّ لحجم التدخل الإسرائيليّ إلا أن الجنوب يشهد غياباً حقيقياً لتشكيلاتٍ أو مجموعاتٍ فاعلةٍ لمناهضة الاحتلال على مستوى الثورة السورية. ولا بد من السعي الجاد إلى تشكيل مجموعاتٍ ثوريةٍ تنبّه وتقف في وجه المشاريع الإسرائيلية الخطرة التي قد تتسارع وتيرتها في الفترات المقبلة وقد تحدث شرخاً في المجتمع السوريّ ككل».