العمل الثوريّ المدنيّ في مأزق!

من مظاهرات الزبداني

معوقاتٌ أم مطباتٌ يمكن اجتيازها؟

لوحظ في الأشهر الاخيرة تآكل القوة السلمية في المجتمعات الثورية، وانفراط عقد الكثير من تشكيلاتها الفاعلة. ويتساءل كثيرون عن أسباب تراجع العمل السلميّ، وغياب ناشطيه وعجزهم عن إعادة إحياء الجانب المدنيّ، وتلاشي دورهم في التأثير بمجريات الأحداث. وهم من فجّر الثورة، وكانوا أول من جابه النظام الأسديّ، وأكثر من صمد في وجه آلته القمعية.
أصيل الفرات (30 عاماً)، أحد ناشطي العمل المدنيّ الأوائل في مدينة دير الزور، فضّل اليوم التوقف عن نشاطه. وأجاب عن سؤالنا بخصوص دوافع قراره المؤسف بالتقاعد الثوريّ المبكر بالقول: "إن أهمّ المعوقات أمام العمل المدنيّ الآن هي التكتلات التي تتبع لأيدولوجيات معينة، والتي تشكلت داخل جسد الثورة، فابتعدت بشكلٍ أو بآخر عن نهج الثورة الأوّل. إضافةً إلى تدخل الكثير من الفصائل المسلحة في العمل المدنيّ، مما أسهم في تجميد بعض المشاريع لفترةٍ مؤقتة، وتوقف بعضها بشكلٍ دائم".
أما محمد أبو وضاح، أحد أعضاء اتحاد طلبة سوريا الأحرار، فينظر إلى موضوع المعوقات على أنها مشاكل متوقعة، وأن من يريد الاستمرار في العمل المدنيّ وخدمة الناس عليه ألا يتوقف عند هذه الأمور. ويرى محمد أن هذه المعوقات باتت تعطي للعمل المدني لذةً ومتعةً إضافيتين بالنسبة إليه.

النشاط المدنيّ اليوم

اهتم ناشطو الثورة في دير الزور، عقب تحرير ريف المحافظة وأغلب المناطق فيها، بتكريس مفهوم الحياة المدنية لدى الناس، ولعبوا دوراً مهماً في مكافحة الآفات الاجتماعية والتصدّي لبعض التصرفات الخاطئة التي تتنافى مع قيم الثورة.
ولا يمكن للمراقب أن ينسى الحملات التي بدأها الناشطون في توعية الناس بشأن خطورة التكرير العشوائي للنفط، والتحذير من عواقب ذلك على الصحة والبيئة. وكيف تمكن الناشطون من التصدّي لموجات الأوبئة والأمراض التي أصابت المحافظة، إذ كان لهم دورٌ كبيرٌ في توعية الناس للوقاية من اللاشمانيا وشلل الأطفال. لكن، في المقابل،
يتساءل البعض أين الناشطون اليوم من تجارة الآثار والتنقيب العشوائي عنها وتخريب المواقع الأثرية؟ ولماذا توقفوا عن متابعة موضوع التكرير على الرغم من ازدياده؟
لا شك أن العمل المدني في دير الزور اليوم يعاني الخمول في بعض القضايا، ويعاني التعطيل في قضايا أخرى، ويعاني التجاهل في قضايا ثالثة. بينما عوّض العديد من الناشطين عجزهم عن مواجهة شؤونٍ إشكاليةٍ بالالتفات إلى قطاعاتٍ لا تثير المتاعب، مثل العناية بالأطفال أو النازحين، على أهمية هذين الأمرين.

مقارنةٌ مطلوبة

وعن رأيه في النشاط المدنيّ في بداية الثورة ومقارنته بالوقت الحاليّ، يجيب أصيل قائلاً: "لم تكن لدينا تجارب مدنية حقيقة قبل الثورة، لكننا نستطيع أن نقول إن النشاط المدنيّ في بداية الثورة - على بساطته - جيدٌ جداً مقارنة بالظروف والإمكانات. أما اليوم، ومع الإمكانات المتاحة والظروف التي قد يقال إنها مقبولة، فإن النشاط المدنيّ في المحافظة سيء. ويعود ذلك إلى عدم وجود الخبرات الكافية، وهجرة الشباب، والتحاق معظمهم بالعمل العسكريّ، وعدم رسوخ فكرة الدولة لدى غالبية الناشطين، الذين يتعاملون مع الحالة على أنها مؤقتة، ويعالجون المشاكل معالجاتٍ إسعافيةً وليست وقائية".
فيما يرى محمد أن النــــشاط المدنــيّ في بدايـــــة الثـــورة كان جيداً، ولكن العمل الذي قام به الشباب حينها كان نابعاً عن غضـبٍ وحماسة، أما العــمل اليوم فيختلف بشكلٍ كامل، إذ تباينــت المتطلبات والتـــحديات والمشاكل والعراقيــل. والأهــــــــمّ أن درجة الوعي تخــــتلف، "فقد كــــــــنا في بداية الثورة مندفعين، أما اليوم فأصبحنا أكثر دقة، ونميل إلى الدراسات المطوّلة والتركيز على النتائج والأبعاد".