العبوات الناسفة... موتٌ بطعم المفاجأة!

العبوات الناسفة...
موتٌ بطعم المفاجأة!

بلال عبد القادر

الميادين | سيارة مفخخة بعد التفجير

الميادين | سيارة مفخخة بعد التفجير

 للموت طعمٌ مختلفٌ حين يأتيك مصحوباً بانفجار عبوةٍ ناسفة. إنه يحمل طعم المفاجأة، تلك التي ينتفي وجودها مع ألوانٍ أخرى للموت. فأزيز الطائرة، مثلاً، قد يمنحك فرصة مراقبة شبح الموت حين يطوف حولك، أما العبوة فقد يتصيّدك الموت الخاص بها أمام أي مفرق.
كانت هذه الأفكار تدور في ذهن الشاب "ن. ق"، وقد عبّر لنا عنها في سياق حديثه عن الإصابة التي تعرض لها منذ أيامٍ، أثناء انفجار عبوةٍ ناسفةٍ بالقرب من الحديقة العامة في مدينة "الميادين". تسبب الانفجار بخسارة الشاب أحد أطرافه. وبينما كان يتحسس موضع إصابته تابع بالقول: كان خوفنا مرتبطاً بشكل أساسي بأزيز الطائرات وما يتبعه من قصفٍ ودماء، ولكن منذ مدة صار هاجس الأهالي هنا العبوات الناسفة، تلك التي لم تعرفها المدينة من قبل، ولا يوجد في ذاكرة الأهالي عنها إلا ما يمكن مشاهدته في شاشات التلفزة.

منذ أيامٍ كنت ـ كأيّ شابٍ ـ أسير في الشارع بأطرافي الأربعة، وبعد الانفجار عدت إلى بيتنا بثلاثة أطراف. دون أي مقدماتٍ ارتفع عالياً، وبشكل فجائي، صوتٌ قويٌ لم أتبين لحظتها ماهيته إلا بعد أن شعرت بجسدي يرتفع ثم ينخفض لأرتطم بالأرض، ويدي التي كانت جزءاً مني قبل لحظاتٍ رأيتها مرميةً على بعد خطواتٍ مني. كان الألم رهيباً، والناس واجمة مذهولة. وما هي إلا لحظاتٌ حتى بدأ الناس بالتدفّق إلى مكان السيارة التي انفجرت للتوّ. هنا أدركت أنني لم أكن أحلم، وأن يدي التي نأت عني، وكذلك سيارة "الكيّا" التي تهشّمت، كانت حقيقة، حقيقة سترافقني إلى الأبد بدلاً عن يدي التي فارقتها إلى الأبد.

 

إجراءاتٌ لا بد منها

وللحديث عن الإجراءات التي يمكن اتباعها في حال وجود عبوة ناسفة، التقينا بالسيد "ع. م"، المسؤول الإغاثي في إحدى الجمعيات الخيرية العاملة في "الميادين"، والذي أفادنا بالقول: في حال وجود أي شكٍ بأي شيءٍ غريبٍ، أو في غير موضعه، تجب المبادرة إلى استدعاء مختصّين أو أشخاصٍ مشهودٍ لهم بحسن التصرف على أقل تقدير. بالإضافة إلى وجوب الابتعاد عن المقرّات الأمنية قدر الإمكان، والحذر من السيارات ذات الصندوق الخلفي مثل سيارة "الكيّا"، لأنها تستخدم أكثر من غيرها في التفجيرات، مع تجنّب السير في شارع ضيّق، بحيث يكون الشخص بين سياراتٍ مصطفةٍ وجدارٍ، للتخفيف من الضرر في حال تصادف أن كانت إحداها مفخّخة. كما ينصح باستخدام الشوارع الفرعية الموازية للشارع العام إن أمكن، وذلك لتجنب الاحتشاد والتخفيف من الزحام قدر الإمكان.
وفي حال حدوث التفجير يجب الانتباه إلى ضرورة البحث عمن يمكن أن يقوم بالإسعاف الأولي، وتوخّي الحذر أثناء نقل الجرحى إلى المشفى. ومن المهم هنا الإشارة إلى ضرورة عدم التجمهر بعد التفجير، لأن السيارة المفخّخة قد تعقبها سيارة أخرى.

 

خطّان متوازيان ملوّنان...
الحياة والموت

ميادين2

وعن تعامل الناس عموماً مع هذه الظاهرة المخيفة التقينا السيدة سعاد الحمد، التي قالت: اجتاح الخوف من العبوات الناسفة مدينة "الميادين"، وخصوصاً مع إدراك الناس صعوبة السيطرة على هذا الأمر في المرحلة الحالية. ولكن هناك سؤال لا بد منه هنا؛ هل يمكن لهذه العبوات أن تجعل الناس تقلع عن مواصلة حياتها اليومية؟
لا أعتقد ذلك. سنظل نرسل أولادنا إلى المدارس، ونذهب مع كل صباحٍ إلى أعمالنا، وسنظل نرتاد الأسواق لنواصل حياتنا، وقد نأخذ أطفالنا بين الفينة والأخرى إلى الحدائق العامة. ليس بطولةً منا، ولكن لأنه لا خيار لدينا ببساطةٍ إلا أن نواجه كل هذا الموت الملوّن بالمزيد من ألوان الحياة.