الدواعش في آخر أيامهم شرق دير الزور

في الشريط المُحاذي لنهر الفرات شرق دير الزور، لم يبقَ تحت سيطرة تنظيم داعش سوى بقعة صغيرة، تضم مدينة هجين، وبلدتي الشعفة والسوسة، وقريتي البوخاطر وأبو الحسن. وحسب الأنباء المُتسربة من هناك يُعاني التنظيم من حالة تخبّط وانهيار في الروح المعنوية لدى عموم مقاتليه.

في هذه البقعة المحاصرة بـ «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» من جهات الشرق والغرب والشمال، وبنهر الفرات ثم قوات النظام من الجنوب، انحسرت خيارات «الدواعش» بين القتال حتى الموت في معركة خاسرة حتماً، وبين الاستسلام. ما لم تُعقد صفقة تنقلهم إلى بقعة سيطرتهم الأخرى على الحدود السورية العراقية جنوب شرق محافظة الحسكة، التي لن تلبث هي الأخرى أن تكون هدفاً لهجوم «قسد» المسنودة بالتحالف الدولي.

حسب تقديرات محلية من منطقة سيطرة داعش شرقي دير الزور، يبلغ عدد عناصر التنظيم الباقين في هذه المنطقة (2000-2500) عنصراً، ثلثهم من السوريين وثلث من العراقيين ويتوزع الثلث الأخير على جنسيات أخرى متنوعة أكبرها من العناصر المُتحدّرين من دول المغرب العربي ومن دول وسط وشرق آسيا.

في هذه المرحلة التي انحسرت فيها السيطرة إلى مساحة محدودة تتآكل كل يوم، وأوشك فيها «بيت المال» على الإفلاس بانقطاع الموارد، وعجزَ فيها عن تنفيذ أي هجمات ذات أهمية، لم يعدْ لدى التنظيم ما يُغري به منتسبيه على البقاء، ولم يبق لديه حتى ما يُقنعهم بجدوى الصبر والتحمّل، فانقلب أشدّ الدواعش غطرسة، خاصة من السوريين، إلى أذلّاء ينتظرهم مصير بائس.

ينقل أبو محمد، وهو فلاح من بلدة السوسة عاد منها مؤخراً، مشاهد غير مألوفة عن الدواعش، أجانب فيهم وسوريين، حيث تَحلّل كثيرون من المظاهر التي طالما تمسّكوا بها، وكفّوا عن دعاوى (الجهاد والفتح والنصر القريب). وبعد أن تراجعت، وإلى حد كبير، القدرة الشرائية للرواتب التي يمنحها التنظيم التفت كثير منهم إلى شؤونهم الخاصة، لتدبر أمر معيشتهم. فانشغلوا بزراعة أراضٍ تركها أهلها، أو بالمتاجرة بما يتسرب من بضائع وأطعمة. وكشفت كثيرات من «المهاجرات» عن وجوههن خلال الخَبز على التنور وخلال العمل بالزراعة، ما تسبب بجدل وشجار في صفوف التنظيم.

اشتهر عبد الله الهلال، وهو شرعي محلي كان ينشط في بلدات عشيرة الشعيطات الثلاث (أبو حمام -الكشكية -غرانيج)، بتطرّفه وتكبّره وقسوته على «عوام المسلمين»، وبلغ به الأمر خلال خطبة جمعة في بلدة غرانيج أن اتّهم الأهالي بـ «تسهيل الفاحشة» بينهم. لم يعد لهذا الشرعي ما يفعله اليوم في هذه البقعة الصغيرة المُزدحمة بشرعيين آخرين، ولم يعد لديه ما يتوعّد به الناس، بل دفعه الإفلاس وانقطاع هبات داعش وتآكل القدرة الشرائية لما يأخذه كراتب شهري، للتذلل لهم واستجداء المساعدة.

لكن ورغم حالة التفكك والعجز والانهيار التي يُعاني منها التنظيم، يحرص بين حين وآخر على إنزال عقوبات بمخالفين لقوانينه، الخاصة باللباس أو بحظر التدخين أو بصلاة الجماعة. كذلك، وكما تنقل بعض الأرامل اللواتي تمكنّ من الوصول إلى مناطق سيطرة «قسد»، لا تزال لدى التنظيم بيوت يُسمونها مضافات، تُجبَر زوجات القتلى على الإقامة فيها، انتظاراً لتزويجهنّ ثانية بعد انقضاء العدة.

ورغم الحصار والخطر الداهم الذي يُحيط بهم من كل جانب، ينقسم عناصر تنظيم داعش شرق دير الزور، بين من يؤيد إبقاء البيعة للبغدادي، ومعظم هؤلاء من العراقيين والسوريين، ومن يطالب ببيعة خليفة آخر، لغياب الأول وانقطاع دوره، ومعظم هؤلاء من المغاربة، ويعدّهم أتباع البغدادي غلاة ويطلقون عليهم وصف الخوارج. في مرات عدّة تطور الجدل بين الفريقين في هذه القضية إلى اشتباكات سقط فيها عشرات القتلى والجرحى.

ومؤخراً ألحق التنظيم معظم عناصره المُفرغين بأعمال الحسبة والزكاة، وكذلك الإداريين وحتى الأمنيين، بجبهات القتال، وعاقب المتخلفين منهم بالسجن وقطع الرواتب ومصادرة السلاح. إلا أن هذه العقوبات لم تردع عناصر كثر في التنظيم عن التملص بطرق شتى من القتال والانكفاء في البيوت على أمل أن تتيح الأيام والأسابيع القادمة لهم فرص هروب واستسلام آمن لـ «قسد».