الدفن بالقمامة.. هكذا يعاقب النظام السوري من يرفضه في اللاذقية

متداولة لحي الرمل الجنوبي

مأساة سكان حي الرمل أن هذا الحي يقع في مدينة اللاذقية، أي أن الجغرافيا تحكم عليهم بحصار من قبل أكثر القادرين على الانتقام، وأكثر العصابات القادرة على اتخاذ أي قرار يتجاوز السلطات المحلية في المحافظة وحتى السلطات المركزية في دمشق. 

لذا كان حي الرمل المكان الأكثر حيوية والبيئة الأكثر مرونة في استقبال كل أشكال الأذية والظلم والانتقام، رغم أن سكان هذا الحي اليوم هم فئة معدمة غير قادرة حتى على مغادرة الحي إلى المدن الأخرى أو حتى إلى الأحياء المجاورة. واليوم يستهدف النظام في اللاذقية -المتمثل بميليشيات عسكرية وشبيحة وسواهم من مسلحين من الصعب تحديد انتمائهم تماماً بسبب تفشي حالة العصبوية، والتنظيمات المسلحة التي تتكاثر رغم محاولات ضبطها- بالقمامة، حيث تتراكم القمامة في الشارع الرئيسي المؤدي إلى الحي، وفي أزقته، في ظل عزوف البلدية، والشركة المختصة بإزالة القمامة عن تقديم الخدمة للحي، أو ادعاء تقديمها في أوقات متباعدة لا تؤدي إلى نظافة الحي.

مؤخراً أدت القمامة المنتشرة في الحي إلى قطع الطرقات كلياً، وإلى شلل في الحركة داخل الحي، أسوة بأحياء أخرى كان لها خصوصية في المدينة من حيث المشاركة في الحراك الشعبي ضد النظام في أيامه الأولى، ومن ثم في موجة النزوح من اللاذقية خوفاً من سلطة الميليشيات فيها؛ خاصة بعد حركات الانتقام الأولى التي تمثلت بداية بانتشار الجريمة والقتل المجاني في الحي، وصولاً إلى الاقتحامات المتكررة بحجة البحث عن مطلوبين، والتي تم خلالها ارتكاب انتهاكات شتى، من القتل إلى السرقة والخطف وسواه.

يقول مروان ميداني وهو مهندس نازح إلى مدينة اللاذقية منذ ثلاثة أعوام، يسكن بالقرب من حي الرمل الجنوبي، "إن القمامة التي أدت إلى انتشار أمراض شتى في الحي، هي قدر بات السكان يتعايشون معه، ويحاولون حله بإمكانياتهم البسيطة، في ظل تضييق البلدية على الحلول الفردية، واستمرار الإهمال"، مشيراً إلى أن ما يشهده الحي هو شكل جديد من الإساءة التي اعتادت على ممارسته السلطات المحلية ومن فوقها من ميليشيات في اللاذقية.

بعد ضغوط قامت بها السلطات بعد انتشار صور القمامة، والشكاوى التي وجهها السكان لمحافظة اللاذقية، بدأ الاهتمام بالقضية وإزالة القمامة، ومن ثم إعادة الإهمال، لتحل مكان القمامة القديمة قمامة جديدة، و"كأن إزالة القمامة هو فعل لا يتكرر سوى مرة واحدة"، يقول المصدر.

تمتد أكوام القمامة في الحي لتصل إلى الأحياء الأخرى، وإلى الشواطئ القريبة، بحيث تحرم الحي أيضاً من نشاطه السياحي المعتاد، خاصة وأنه كان يوفر السياحة الشعبية ذات التكلفة المنخفضة في ظل ارتفاع تكاليف السياحة في بقية شواطئ اللاذقية.

يقول مدياني "ليس فقط انتقاماً من الحالة الثورية التي كانت موجودة في الحي بقوة، إنما أيضاً كون هذا الحي لا يملك حالياً أي صوت قادر على الدفاع عنه، أو أي واسطة؛ فمن المعروف أن الشوارع النظيفة في اللاذقية وخاصة في هذه الأيام هي شوارع يسكنها متنفذون، أو شخصيات قادرة -على الأقل- على الضغط باتجاه تخديم الحي، ومن المعروف أن هناك تفاوتاً كبيراً في مستوى الخدمات في أحياء اللاذقية".

أساليب مبتكرة لا يستغربها سكان الرمل الجنوبي، فقد شهدت السنوات السابقة أساليب أخرى ضغط فيها النظام على سكان الحي، وهجر غالبيتهم نتيجتها، بدءاً من الاقتحامات، ونصب الحواجز بكثافة، وصولاً إلى الحرمان من الخدمات بشتى أنواعها، ثم محاولة دفن الحي بالقمامة، وهو تماماً ما يريده النظام، أو على الأقل صورته المتمثلة بالميليشيات في المدينة، والتي يبدو أن أحد أهم مشاريعها إعادة رسم المدينة، وتغيير بنيتها السكانية، وإزالة البقع التي كانت تسعى جاهدةً لأن تكون جزءاً من العمل الثوري الهادف لإسقاط تلك المنظومة، التي صنعت وكرست الحالة الميليشاوية في اللاذقية قبل غيرها، وقبل أعوام من الثورة بكثير.