التحيّة في دير الزور وماذا طرأ عليها في ظلّ تنظيم الدولة؟

كغيرهم من السوريين، طرأت على حياة أهالي دير الزور العديد من التغييرات في أكثر من مجال، فنظروا إليها بأكثر من عينٍ واتخذوا منها أكثر من موقف. ولعل من أظهر تلك التغييرات المظاهرُ الاجتماعية التي تمسّ عاداتهم، ومن بينها التحية، وكان للطابع الدينيّ الجديد أثراً تركه عليها. على أن تلك المظاهر ما زالت متأرجحةً بين الموروث الاجتماعيّ والموروث الدينيّ، لكن بانشقاقٍ مستمرٍّ بينهما كما يبدو.

صار من المعلوم لدى الأهالي أن أكثر عناصر التنظيم لا يلقون السلام عليهم ولا يردّونه، الأمر الذي حزّ في نفوس الكثيرين، فراحوا يسألون عن السبب. يقول أحد سكان مدينة الميادين: «مو كلهم ما يسلّمون. وحسب ما فهمت أنه إحنا فاسقين، يعني قاعدين عن الجهاد، لذلك ما يتسلّم علينا... يقولون أنه بزمن الرسول كان ما يسلّم على الناس اللي قاعدة عن الجهاد». تربط هذا الشاب علاقاتٌ عديدةٌ مع عناصر وقادةٍ من التنظيم، ويعاملونه بطريقةٍ لائقة، لكنه يقرّ بأنهم يزعجون الأهالي كثيراً بهذه المقاطعة. ويضيف أحد الذين سألوا عن الموضوع: «هذه المرّة ليست المعاصي هي السبب، كما يقولون عادةً»، في إشارةٍ إلى الحجة التي يبرّر بها التنظيم الكثير من إجراءاته (معاصي وذنوب الأهالي). وبالمقابل، وفي وقتٍ فرض فيه التنظيم على الرجال تقصير ثيابهم بدعوى أن الثياب الطويلة مظهرٌ للغرور أو للكبر؛ حاول البعض إقناع قادةٍ محليين فيه أن عدم ردّهم السلام هو الغرور، لكن ذلك لم يغيّر شيئاً على أرض الواقع. فقد ظلّ العناصر على موقفهم، وظلّ الأهالي على عادتهم في تبادل السلام دون شرط المعرفة، وهي العادة التي يفخرون بها ويفتقدونها خارج منطقتهم

وفي السياق ذاته لا يكاد يسلّم أحدٌ من أبناء دير الزور، أو يردّ السلام، دون أن يقع في الحيرة من طريقة التحية التي يفضلها أو يتبعها الشخص المقابل، في وقتٍ راحت تنتشر فيه أشكالٌ جديدةٌ للتحية لم تكن مألوفةً في السابق، كالمصافحة أثناء الجلوس، وملامسة الجباه أو الأكتاف عند المعانقة وتجنب تقبيل الخد، وهي العادات الدارجة بين عناصر التنظيم والمتأثرين بأفكاره، بالإضافة الى من يطلق عليهم وصف السلفيين في العموم. وقد بدأت هذه المظاهر بالانتشار قبيل الثورة، بتأثيرٍ من التيار السلفيّ وعادات الخليج العربيّ التي استقدمها العاملون هناك. وقد ظهر ذلك الأثر في فتراتٍ سابقةٍ بمحاولة فئاتٍ شبابيةٍ إقناع الأهالي بإلغاء استعمال كلمة الرد على الهاتف (آلو) بدعوى أنها كلمةٌ أجنبية. وتقف تلك المظاهر السلفية في مقابل العادات الموروثة في المنطقة، من الوقوف عند المصافحة وتقبيل الخد وغيرها.

تعدّ التحية دليلاً على الاحترام المتبادل بين النظراء وإشاعة الأنس بين المتقابلين. ويحظى إلقاؤها، وما يرافقه من مراسم وطقوس، بمكانةٍ مرموقةٍ في الحياة العامة بدير الزور، مع اختلافاتٍ طفيفةٍ بين مكانٍ وآخر، أو جيلٍ وسواه، أو وضعٍ ومناسبةٍ وغيرها. على أن الصيغة الأشهر للسلام هي إطلاق التحية المعروفة «السلام عليكم»، والوقوف أمام الشخص القادم ومصافحته والعودة للجلوس بعد أن يجلس، ثم ترحيب الحضور به بكلمة «مرحبا». وهذه الطريقة أكثر الطرق انتشاراً ورسمية، وتستعمل في جميع المناسبات الاجتماعية كالأفراح والأحزان وغيرها، وتجري بين أوساطٍ واسعةٍ بطقوسيةٍ محافظةٍ وواضحة. ويستعاض عنها في أوقاتٍ وأماكن أخرى بهيئاتٍ مناسبةٍ عديدة، فتستعمل في الطريق الإشارة بالحواجب أو رفع الراس أو بإطلاق بوق السيارة. كما انتشرت بين فئات المتعلمين عباراتٌ أخرى أخفّ وقعاً وأقلّ محلية، كعبارة «صباح الخير»، لكنها لم تلق رواجاً كبيراً. وفي نظيرها يحتفظ بعض كبار السن بعباراتٍ لم تعد مستعملةً أو معروفة، مثل «الله يصبّحكم بالخير».