استغلال النساء العاملات في حلب.. ثقافة مستخفة بهن تساويهن (بالشغيلة الصبيان)

في أحد معامل الألبسة في حلب - من الانترنت

بين الساعة السابعة والثامنة من كل صباح، تتجمع آلاف النسوة العاملات قرب مفارق الطرق على امتداد شوارع رئيسية في مدينة حلب، بانتظار الحافلات التي تقلهن إلى المعامل خارج المدينة. مقارنة بالرجال الصامتين وهم قلة في هذه الجموع المتناثرة، تبدو النساء أكثر صخباً وأقل تثاقلاً، رغم المشقة والأعباء الإضافية التي يتحملنها.

تقول أمل (اسم مستعار لعاملة في مصنع أدوية) لعين المدينة، أنها تدفع ابنها الصغير نائماً في عربة إلى منزل أهلها مدة (15) دقيقة في الصباح الباكر كل يوم، ومن هناك (10) دقائق أخرى لتكون في السابعة عند دوار النحاس في شارع النيل، حيث يمر "الباص اللي ما بيستنى حدا ولا دقيقة"، ومع عودتها إلى المنزل في السابعة مساءً، تبدأ أعمال الطبخ والتنظيف غير القابلة للتأجيل إلى يوم العطلة؛ كل ذلك مقابل (650) ألف ليرة في الشهر. يساعد هذا الراتب إلى جانب دخل زوجها من وظيفته الحكومية ومن عمله الإضافي أجيراً في مكتب سيارات، في تأمين الحد الأدنى من نفقات العائلة.

ومثل غيرها من نساء الطبقة الوسطى اللاتي التحقن متأخرات بسوق العمل، تفتقر أمل إلى مهارات وخبرات عمل خاصة، ولذلك تتلقى أجراً أقل عموماً من أجور الرجال، لكن ثمة ثقافة عامة لدى أرباب الأعمال المتنوعين ترى أن المرأة لا تستحق أجراً مساوياً للرجل، وإن كانت تشغل الوظيفة ذاتها.

تقول أستاذة في جامعة حلب طلبت إغفال اسمها لعين المدينة: "إن النظرة السائدة في أوساط العمل تصنف المرأة تصنيفها للشغيلة الصبيان، فكلاهما -المرأة والصبي- عامل غير ضروري، ويمكن الاستغناء عنه، أو استبداله بسهولة". وترى الأستاذة المهتمة بقضايا المرأة، بأن اتساع الدور الاقتصادي للمرأة السورية بفعل "الأزمة والأحداث" لم يزعزع بعد تلك الثقافة.

وحتى في بعض القطاعات التي أصبحت النساء أغلبية في قواها العاملة، مثل معامل الألبسة والأدوية والمواد الغذائية، إضافة إلى المحلات التجارية، تنال المرأة أجراً لا يتناسب مع الجهود التي تبذلها، ولا مع عدد ساعات العمل، كما أنها تفتقد الحقوق والضمانات التي تفرضها القوانين، إذ يمكن لأي رب عمل في تلك القطاعات أن يطرد أي عاملة لديه لسبب أو من دون سبب.

تقول رحمة (اسم مستعار) أنها طردت من عملها في محل ألبسة في سوق التلل، "بعد ما طالبت المعلم بزيادة لما صرنا نتأخر بالشغل بشهر رمضان"، وطردت ايضاً "من مشغل بيجامات لما مرضت وغبت تلات أيام ورا بعض". وحتى إن استقرت بعض النساء لعدد من السنوات في بعض الأعمال، فإن الأجر يبقى منخفضاً وغير عادل، فوفق شهادات ثلاث نساء تنقلن بين وظائف مختلفة لعين المدينة، لا يزيد أعلى أجر لأقدم بائعة في سوق التلل، أو أقدم عاملة في مصانع الشيخ نجار والليرمون على (800) ألف ليرة في الشهر، ولا يزيد راتب أقدم ممرضة في عيادة أكثر أطباء حلب شهرة وأعلاهم دخلاً على (500) ألف في الشهر.

فضلاً عن الاستغلال المادي الذي يبرره أرباب العمل بحالة الانهيار الاقتصادي التي تعاني منها البلاد، تعاني الكثير من النساء العاملات من ظاهرة التحرش، التي تتطور في بعض الحالات إلى ابتزاز واستغلال جنسي. تقول منيرة (اسم مستعار لموظفة استقبال في صالة رياضية)، أن معظم من تعرفهن من النساء قد تعرضن للتحرش أثناء العمل مقترناً عادة بوعد بزيادة الأجر والمكافآت أو بالتلميح بالطرد، فهي ذاتها قد طردت من عملها السابق كسكرتيرة في مكتب تجاري، بعدما رفضت الاستجابة لتحرشات مالكه. تفسر الأستاذة الجامعية ظاهرة التحرش أيضاً بنظرة الاستخفاف ذاتها لدى أرباب العمل بالنساء العاملات، وتؤكد أن ارتفاع المستوى التعليمي لهؤلاء الأرباب، لا يعني بالضرورة ارتقاء نظرتهم إلى النساء، فقد يكون المتحرش بمن تعمل لديه طبيباً أو مهندساً، وقد يكون أستاذ جامعة أو معلماً.

وتلاحظ منيرة أن أرباب العمل الأكبر سناً هم الأشد وقاحة عادة: "كل ما كان المعلم أكبر بالعمر كان رزيل أكثر مع شغيلاته". وتتحدث بيان (اسم مستعار لطالبة جامعية) عن بعض تجاربها في هذا الشأن، وكان أشدها إيلاماً تجربتها مع طبيب في نهاية الستينات عملت لديه كممرضة، إذ كان يماطل في تسليمها أجرها الأسبوعي حتى رضخت جزئياً لتحرشاته الخفيفة في العيادة، قبل أن يبدأ بمراسلاتها عبر تطبيق واتساب، مطالباً بصورها من دون حجاب، وعندما "صغرت عقلي وبعثت له صورة، صار يطلب كمان، ولما رفضت صار يهددني أنه يبعت الصورة لأمي، وما استسلمت له، هددته أبعت المحادثات لمرته، وتركت الشغل وحظرته".