إلغاء الاحتياط.. قرار فتح أبواب السجون الاختيارية في الساحل

خلال الأيام السابقة استعادت شوارع مدن وقرى الساحل فئة عمرية كانت مفقودة، لا تظهر للعيان إلا بعد مرسوم عفو يصدره الأسد بين حين وآخر. ففي الساحل السوري يعيش آلاف الشبان في منازلهم منذ سنين رافضين الالتحاق بالاحتياط، ويتابعون الأخبار يومياً بانتظار "مكرمة" لن تخرج عملياً إلا بطلب روسي.

وهو ما بات ملاحظاً في قرارات الشأن العسكري، حيث يقف مطار حميميم وراءها، بينما تأخذ صيغتها القانونية من مكتب الأسد، سواء بانتشار قوات معينة وسحب أخرى، أو بتسريح وتجنيد فئة معينة.

مظاهر الارتياح بين المطلوبين لخدمة الاحتياط بدأت بالظهور بعد سلسلة من مظاهر أخرى توجتها قرارات رسمية، أولها "توجيهات" من رئيس النظام بشار الأسد جعلت وزارة دفاعه تصدر تعميماً برفع الملاحقة عن المطلوبين لخدمة الاحتياط وإعفائهم من هذه الخدمة، التعميم الذي بدأ التمهيد له على لسان وزير الدفاع علي أيوب في كلمة ألقاها مؤخراً في "مجلس الشعب"- ينتظره الآلاف من المقاتلين على جبهات القتال أو المتوارين عن الأنظار منذ سنوات في منازلهم، وحتى من فروا من البلاد.

ربما ما أعطى هذا التعميم شكلاً منطقياً قابلاً للتصديق -قبل القرار الرسمي- هو انتشاره بُعيد إصدار رئيس النظام مرسوماً بالعفو عن الفارين من الخدمة، وإعطائهم مهلة 4 شهور للالتحاق لمن هم في سوريا، و6 شهور لمن هم في الخارج، المرسوم الذي ليس من المتوقع أن يجني ثماره المأمولة بأن يلتحق الفارون، كان له بالتأكيد أثر إيجابي على المتوارين عن الأنظار للخروج خلال المدة المحددة من منازلهم، وحصولهم على حرية التنقل، وإن لفترة وجيزة.

فما إن صدر المرسوم حتى عاد آلاف الشبان لتنفس هواء الخارج أمام أعين السلطات، وبعضهم عاد إلى عمله الذي إما حاول الاستمرار به متخفياً، أو تركه نهائياً خلال الفترة السابقة، وربما كان الشهران اللذان سبقا المرسوم أقل وطأة على غير الملتحقين، كون دوريات الشرطة العسكرية خففت من حضورها في الشوارع، وكون الحواجز خففت من حدة التدقيق على الشبان خلال العبور. فبات من المأمول إصدار قرار نهائي يعفيهم من الالتحاق، مع قناعة دوائر النظام العسكرية أن من لم يلتحق خلال السنوات الأولى من الحرب لن يلتحق حالياً.

على أن النقاش الشعبي مع تخوين من لم يلتحقوا بالخدمة، مع بعض استثناءات بالطبع، لكنها لأصوات ضعيفة تسوق تبريرات بأن هناك من لديه أسبابه في عدم الالتحاق، خاصة وأن طلبات التجنيد لم تبقِ ولم تذر، لكن هذه التبريرات تتلاشى أمام وبين المقاتلين الملتحقين من مجندين ومتطوعين، والذين يشكلون مصدر رعب لغير الملتحقين أكثر مما تشكله دوريات الشرطة العسكرية، حتى أن أغلب من تم القبض عليهم من الفارين وغير الملتحقين كانوا ضحية بلاغات أمنية من قبل أقرانهم المقاتلين، الذين يجدون أنفسهم على الجبهات يومياً، فيما يلتزم سواهم المنزل رافضاً القتال.

يقول أحمد سويدي (متخلف عن الالتحاق بالاحتياط): "منذ أربع سنوات تم طلبي ولم ألتحق، قضيت تلك السنين في بيت أهلي أحياناً، وفي منازل إخوتي عندما تتكاثر دوريات الشرطة العسكرية وتسري أنباء عن اقتحام منازل. أكثر ما يخيفني كانت مصادفات تجمعني ولو بنظرة مع أصدقاء ملتحقين، كان بود بعضهم أن يسوقني بسلاحه إلى الجبهة، فكيف أرفض الدفاع عن الوطن؟". ويتابع "أعرف تماماً أن هناك في الأجواء المحيطة من لا يريد صدور هذا المرسوم أساساً، لأنه يشكل راحة للخونة، هناك من يفضّل عودتنا أشلاء مجمّعة ضمن صناديق خشبية عليها علم الوطن، على أن يرانا جالسين في المنزل نرفض القتال".

تشكك وسائل إعلامية وخبراء بالشأن العسكري بجدية قرار إلغاء الاحتياط، فقد يكون هذا القرار نابعاً من عدم جدوى مراسيم العفو في جذب فارين من الخدمة الإلزامية، لكن مع القرار الخلبي فسيكون هناك بنك جديد من البيانات التي ستقوم أجهزة النظام الأمنية والعسكرية على أساسها باعتقال الجميع وسوقهم إلى الجبهات.. كما يحلل غير المصدقين، وليس غريباً أصلاً على النظام اتباع أسلوب المصيدة، والقبض على غير الملتحقين بطريقة ناعمة مقننة لا تأخذ صدى كبيراً في وسائل الإعلام.