أبو مكرم... نموذجٌ للعمل التطوعي المتميز

عدسة سامي | موحسن | خاص عين المدينة

في ظل تراجع الخدمات أو توقفها في مناطق وأوقاتٍ كثيرة، يبرز أبطال شعبيون من رحم المجتمعات الحاضنة للثورة ليؤكدوا تميز الإنسان السوري وقدرته على التكيف مع أصعب الظروف.

 

قبل عام من اليوم تقاعد "جديع الغريب" (أبو مكرم) من عمله في محطة تصفية مياه موحسن في ريف دير الزور، بعد سنوات طويلة قضاها في هذا العمل الذي أحبه واعتاد عليه. ولم يمنع التقاعد الرجل ذا الـ 65 عاماً من العودة إلى عمله عندما أدرك أن مدينته بحاجة إليه، رغم حالته الصحية ومعاناته الدائمة مع أمراض الضغط والتهاب مثلث التوأم.
يقول أبو مكرم، الذي لا يكفّ عن الحركة داخل المحطة:"بعد تقاعدي عدت وبشكل تطوعي إلى العمل، في استجابة لنداء الواجب لتأمين الماء النظيف للأهالي رغم وضعي الصحي المتعب". وبكل تواضعٍ ونكرانٍ للذات يبرّر نشاطه التطوعي هذا بمجرد قرب منزله من المحطة، ودون الإشارة إلى أنه يعمل بكل تفانٍ وجدٍ وبلا مقابل. ولا يبدو أن الرجل يفكر بأي مقابلٍ أو ثناءٍ من أحد، فهو يعمل إرضاءً لضميره وحسب.

ولا ينسب أبو مكرم الفضل لنفسه في تسيير المحطة، بل يشيد بزملائه في العمل من الفريق المؤلف من عدة أشخاص فقط، فهو يثني على جهودهم الجبارة للحفاظ على هذه المؤسسة الصغيرة، لضمان استمرار عملها بالشكل الذي يؤمن المياه النظيفة للسكان في موحسن، التي أصبحت الغارات الجوية وقذائف المدفعية وصواريخ الراجمات فيها شيئاً يومياً. الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي يأتي في مقدمة هموم عمال المحطة، فهو يعني انقطاع المياه والشلل التام في العمل. ولا تغني مولدة الكهرباء في هذا الباب شيئاً أمام ما تستهلكه المحطة من كميات كبيرة من الوقود، وما يعنيه ذلك من أعباء مادية لا قبل لمجلس موحسن المحلي بتحملها، وهو الهيئة الوحيدة التي تحاول المساعدة في قطاع المياه. ويستغل أبو مكرم ساعات انقطاع التيار في تنظيف المحطة. يقول: "نستغل أوقات انقطاع التيار الكهربائي لكي نقوم بتنظيف الخزانات والقيام بأعمال الصيانة كافة، محاولين تجهيز المعدات بأفضل حال ممكن لتوفير المياه لأطول فترة ممكنة للسكان".
ابو-مكرم-(1)

ورغم قرب منزله من المحطة، قلّت الأوقات التي يتواجد فيها أبو مكرم في بيته. فهو يعتبر المحطة بيته الحالي، ولا يذهب إلى بيته الطبيعي هذه الأيام إلا نادراً، فهو يأكل ويشرب وينام في مكان عمله، محاولاً استغلال كل لحظة تمر. ومن جانب آخر يشعر أبو مكرم بارتياح نفسي كبير وهو يمارس واجبه الطوعي في تقديم المياه النظيفة للناس. يوضح أبو مكرم برنامج عمله: "لا توجد ساعات عمل معينة، فأنا أتواجد في المحطة بشكل شبه دائم، وحتى أنني صرت في الآونة الأخيرة أفضّل النوم فيها. فانقطاع التيار الكهربائي يفرض عليّ التواجد المستمر هنا، فعندما يأتي التيار الكهربائي أقوم بتشغيل المضخات والمعدات لاستغلال كل دقيقة من الساعات القليلة التي تصلنا فيها الكهرباء. وأحياناً أذهب إلى منزلي لتناول الطعام فقط وأعود إلى بيتي الثاني، كما أحب أن أسميه، فهنا الهدوء والسكينة. وكثيرة هي الأشياء التي تشدّني الى هذا المكان".
ولا يخفي أبو مكرم فخره بنوعية المياه الممتازة التي تنتجها المحطة، إذ يعتبرها الأعلى جودة على مستوى ريف دير الزور الشرقي كله. ويضيف بأنه يشعر بالسعادة عندما ينظر الناس إلى عمله مع زملائه بإكبار وإعجاب. وحينذاك يدرك أنه نجح في القيام بواجبه الفعلي لا الوظيفي، وقدّم ما عليه في سبيل خدمة الثورة والناس.