‏‫الرفض الشعبي مجدداً يقابل حملات "قسد" للتجنيد الإجباري في صفوفها‬

بجسد منهك ووجه علاه الغبار، بعد أن سلك طريقاً ترابياً ومشى عدة كيلو مترات، يضع زكريا حقيبته الظهرية التي لم يتمكن من حمل سواها في رحلة الهروب من مدينة منبج إلى مدينة جرابلس، بعد يوم واحد من إعلان "الإدارة الذاتية" بتاريخ 15 أيار في مناطق شرق الفرات ومدينة منبج التجنيد الإجباري على جميع الشبان.

لم يجد زكريا وقتاً أفضل للهروب، "فقوات سوريا الديمقراطية (قسد)" أعلنت عن بدء سحب الشبان من مواليد 1988 إلى 2000، المتواجدين بمناطق سيطرتها، وأعلنت كذلك أنها ستنفذ عملية القبض عليهم في اليوم التالي، "لذلك قررت التحرك فوراً باتجاه رحلة مجهولة لا أعرف نهايتها" يقول زكريا لعين المدينة.

يصف زكريا بعضاً من مصاعب رحلته للهروب من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة الجيش الحر، ومنها قد يحالفه الحظ في الوصول إلى تركيا، ويقول "خرجت من مدينة منبج مع شاحنة لنقل النفط، وغالباً لايتم توقيف الشبان الذين يعملون في النفط لأنهم غير مقيمين في مدينة منبج، ثم مع وصولي لآخر حاجز بين الطرفين كان لا بد لي من النزول والتحرك مشياً وقطع نهر الساجور حتى لا يتم القبض علي، واضطررت لقطع نحو 3 كلم حتى وصلت إلى الطرف الآخر حيث كان ينتظرني أحد أقاربي ونقلني لجرابلس".

يشرح زكريا أنه واحد من الشبان الذين حالفهم الحظ بالهروب من مناطق قسد، إلا أن آلاف الشبان يتخوفون من هذه الحملة التي تعد الأكبر في منبج ومناطق شرق الفرات. ويروي عن الأساليب التي يتبعها أصدقاؤه، والحيل التي قاموا بها من أجل التخلص من التجنيد الإجباري، فعمار 24 عاماً اضطر للعمل في ورش حفر الأنفاق التي تنشئها قسد على طول الجبال في الجهة الغربية لنهر الفرات شرق مدينة منبج، حيث قبض على عمار أثناء ذهابه للعمل في موسم حصاد القمح بريف الرقة، إلا أن المسؤول عنه في ورش الحفر تمكن من إخراجه بعد ساعات، "فالعمل ضمن أي جهاز مدني أو عسكري أو خدمي لدى قسد يوفر لك الحماية والتخلص من التجنيد".

أما محمود 28 عاماً والذي يبدو أكبر من عمره كما يصفه زكريا، اضطر لتغيير تاريخ ميلاده عبر برنامج الفوتوشوب على صورة الهوية التي يحملها وحول تاريخ ميلاده إلى 1987، وصار يحمل صورة الهوية بدلاً عنها، واستطاع بذلك المرور من عدة حواجز لدوريات قسد دون معرفتهم لحقيقة عمره، خاصة أنه ضخم الجثة والملامح.

مخاوف ورفض شعبي
ضجت الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مجدداً بتعليقات غاضبة وساخرة وأخرى متخوفة من هذا القرار، حيث يؤثر بشكل سلبي على كل العائلات في تلك المناطق، ويقطع مصدر دخل الكثير منها، والتي تعتمد أساساً على عمل شبانها في أعمال مختلفة لتأمين لقمة العيش.

يعارض الستيني أحمد الجاسم هذا القانون الذي سنته قسد، فقام بإرسال أولاده جميعهم إلى تركيا قبل أشهر. يقول "في هذه البلاد التي كانت قبل زمن أثمن من كل شيء باتت اليوم غريبة علينا؛ فضلت أن يذهب أولادي للعمل في تركيا على أن يتم ابتزازي يومياً من قبل عناصر قسد من أجل الخدمة في صفوفهم، سواءً برغبتهم أو مجبرين؛ بصراحة أخاف أن يُقتلوا بمكان ليس لنا فيه ناقة ولا جمل".

هيمنة على المنطقة
يتساءل يونس العيسى، صحفي وكاتب من مدينة منبج، عن الأبعاد الأخرى لقانون التجنيد الإجباري الذي فرضته قسد، إذ يقول لعين المدينة "عملية فرض التجنيد الإجباري تأتي في محاولة لاستمرارية الهيمنة على مدينة منبج وكافة المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة قسد في سوريا، كما أنها تأتي كمحاولة لدفع الشبان للانضمام لقوات قسد بطريقة غير مباشرة، إذ يُعفى المنتمون إلى قوات قسد من التجنيد ويحصلون على رواتب على عكس المجندين إجبارياً".

ويضيف العيسى بأن قسد تحاول زج أكبر عدد من العرب ضمن صفوف قواتها لتفادي الطابع العرقي، وخاصة بعد مؤتمر العشائر بعين عيسى، كما تحاول قسد خلال قانون تجنيدها الإجباري الجديد -كما يرى- إظهار نفسها وقوتها وتسويغ ذلك للعالم على أنها دولة مؤسسات، عندها جيش حرر أرض وأبناء هذه الأرض ضمن صفوف ذلك الجيش، ولهم الأحقية في حماية أرضهم في ظل تجاذب دولي وحماية أمريكية لمشروعها، وعدم السماح لتركيا بشن هجوم على المناطق التي تحتلها، وخاصة بعد رسالة أوجلان الأخيرة التصالحية مع تركيا.

ويؤيد الحقوقي عبد المنعم عليان حديث الصحفي يونس العيسى، إذ يعتقد بأن قسد باتت "تحتل" مساحات واسعة من المناطق العربية في شرق سوريا، وهي بحاجة لعنصر بشري لضبط كل تلك المناطق، وأفضل طريقة هي التجنيد الإجباري.

يستعد زكريا لخوض أول مغامرة بالدخول إلى تركيا عبر التهريب، منتظراً أحد المهربين الذي اتفق معه، بينما قرر عمار أن يستمر بالحفر إذ يكسب المال ويتخلص من التجنيد، بينما محمود يفضل عدم مغادرة قريته إلا للضرورة مع علامات الخوف المرافقة له.

آلاف الشبان في مناطق سيطرة قسد باتوا مجبرين على الالتحاق بالتجنيد الإجباري أو الهرب أو التحايل أو التواري عن الأنظار، رغم انتهاء معارك قسد العسكرية في شرق الفرات، وهو ما يطرح تساؤل أخر: ما سبب هذه الحملة الكبيرة للتجنيد الإجباري.