من الإنترنت للمعبر

بين الإعلان الرسمي السوري العراقي في أواخر شهر أيلول الماضي عن إعادة فتح معبر البوكمال- القائم، وبين الوقائع الفعلية القائمة على الأرض، يتبين أن هذا المعبر بين سوريا والعراق لم يقفل عملياً، بل ظل يعمل مع معابر فرعية قريبة منه مسهلاً عبور المقاتلين والمدنيين وحتى الزوار الدينيين إضافة الى العتاد العسكري والبضائع التجارية، بمعزل عن القوى المسيطرة عليه.

عام 2012 سيطرت فصائل من الجيش الحر على المعبر لتعلن الحكومة العراقية إغلاقه بشكل كامل، وفي منتصف العام 2014 سيطر تنظيم الدولة على المعبر من الجانبين فأزال السواتر القائمة وجعله ممرا مفتوحاً لقواته. وقد استمر الوضع كما هو عليه حتى الربع الأخير من العام 2017 حين سيطرت مليشيات الحشد الشعبي على الجانب العراقي من المعبر تزامناً مع سيطرة المليشيات الشيعية والنظام السوري على مدينة البوكمال. وفي مطلع العام 2018 أرسل النظام السوري وفداً عسكرياً ممثلاً بوزير الداخلية اللواء محمد شعار إلى العراق والتقى رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وتم الاتفاق على إعادة فتح المعبر الهام بين البلدين.

وفي بداية أيلول من العام الحالي، وقبل نحو شهر من إعادة فتح المعبر رسمياً، أعلن قائد حرس الحدود العراقية الفريق حامد الحسيني من معبر القائم جاهزية المعبر للعمل بشكل كامل، الأمر الذي أكدته في الوقت نفسه وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري. لكن المعبر، وبعد أيام قليلة، استهدف بقصف جوي مجهول لم يعلن أي طرف مسؤوليته عنه أدى إلى تدمير الغرفة مسبقة الصنع التي كانت مخصصة لموظفي معبر البوكمال مع عدة نقاط مخصصة لعبور الآليات. والأسئلة التي تطرح نفسها اليوم هي حول طبيعة القصف الذي يستهدف المعبر ومحيطه منذ نحو عامين. إذ يتردد أن القصف قد يكون إسرائيلياً أو أميركياً، وإذا كان الهدف منه قطع الطريق أمام دخول المقاتلين والإمدادات العسكرية من العراق إلى سوريا، فالوقائع وشهود العيان في المنطقة يؤكدون الفشل في تحقيق هذا الهدف.

مصدر في مدينة البوكمال طلب عدم الكشف عن هويته أكد لعين المدينة "أن حركة تنقل القوافل العسكرية والمواد الأساسية وحتى الزوار الدينيين من سوريا إلى العراق لم تتوقف منذ سيطرة قوات متعددة بينها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على معبر البوكمال الحدودي"، مضيفاً "رغم الاستهداف المتكرر لمواقع وقوافل عسكرية ونفطية من قبل طيران التحالف الدولي أو مجهول الهوية، لا تزال حركة التنقل قائمة على المعبر أو عبر معابر موازية بتكتيكات متعددة الهدف منها تجنب القصف قدر الإمكان".

ويقول أبو فهد أحد المدنيين من قرية السويعية الحدودية المجاورة للبوكمال لعين المدينة "إن مرور سيارات الأسلحة والذخيرة من المعبر بشكل علني لم يتوقف، إلى جانب تنقل عناصر وآليات الحشد الشعبي العراقي ما بين سوريا والعراق". ويعدد أبو فهد أبرز القوى العسكرية التي تسيطر على المعبر إضافة إلى عناصر قوات النظام، وهي حزب الله اللبناني وميليشيا فاطميون وميليشيا حيدريون، موضحاً أن جميع العناصر المنتشرين على المعبر "الذين يبلغ عددهم نحو 200 عنصر يرتدون زي قوات النظام ويرفعون أعلام النظام السوري ويشغلون عدة بيوت مسبقة الصنع تنتشر حولها العديد من الآليات العسكرية الإيرانية ومعدّات الحفر".

ويؤكد شهود عيان في المنطقة أن المعبر استخدم أيضاً لإدخال مواد نفطية إلى النظام السوري مرات عدة، إلى أن تم استهداف تلك القوافل النفطية من قبل طيران التحالف الدولي فتراجعت حركتها كثيراً. وفي شهر آذار المنصرم عبرت معبر البوكمال قادمة من العراق قافلة تضم قرابة 60 حافلة تنقل زواراً دينيين انتقلوا إلى مقام السيدة زينب في دمشق وسط مواكبة عسكرية كبيرة، حيث بقوا قرابة الأسبوع في دمشق، ثم انتقلوا إلى حلب قبل أن يعودوا إلى العراق عبر معبري البوكمال والقائم.

ويبدو أن حركة العبور بين سوريا والعراق لا تقتصر على معبر البوكمال الرسمي. فقد نقل سكان من القرى الحدودية في البوكمال، أن المليشيات اعتمدت كذلك على فتح نقاط ومعابر سرية على طول الحدود السورية العراقية وصولاً إلى الحدود الاردنية، ويتم استخدام هذه المعابر بطريقة سرية، أحياناً لمرة واحدة، لإدخال العناصر المقاتلة بالدرجة الأولى، وبعدها العتاد والسلاح إلى مناطق انتشار المليشيات على الجانب السوري.

ومن أبرز هذه المعابر هناك ما يعرف بحاجز الزوية قرب منطقة المثلث السوري العراقي الأردني، ويعتبر بعيداً عن الأنظار نسبياً، لكن بعض السكان ينقلون معلومات لم يتم التأكد منها تفيد بأنه يستخدم أيضاً لتهريب المخدرات إلى الداخل السوري ومن ثم إلى بعض المناطق السورية والأردن، وأن مليشيات مسلحة تشرف على عمليات التهريب هذه من الجانب العراقي، وتجار مدنيون من الجانب السوري.

وينقل سكان المنطقة أيضاً ان ما يعرف بحاجز البراميل في منطقة الزكف (شمالي التنف) يستخدم من قبل القوى العسكرية الداعمة للنظام السوري للتنقل بين جانبي الحدود، وقد عمدت المليشيات العراقية والسورية بعد انسحاب القاعدة البريطانية منه إلى استعماله بطريقة سريةإ ويمكن الانتقال منه إلى البادية وصولاً إلى الحقول النفطية ومدينة تدمر.