مظاهرة في إعزاز

تدير تركيا معظم مفاصل المدن والقرى التي سيطرت عليها قوات درع الفرات بدعم تركي منذ بداية العام 2017، في خطوة اعتبرها البعض إيجابية وضرورية في ظل الفوضى وتناقص الدعم والشللية وغياب الأمن، بينما يراها آخرون تدخلاً في الشؤون الداخلية، إذ بات عمل المجالس المحلية والمؤسسات التابعة للحكومة المؤقتة هو تنفيذ الأوامر والمشاريع دون التدخل فيها.

الشرطة الحرة تسحب البساط من تحت الفصائل

مع دخول الشرطة الحرة المدربة في ولاية مرسين التركية، والتي باشرت عملها مع تخريج الدفعة الأولى منها (1300 شرطياً) في آذار 2017، وتوزعها بشكل رئيسي على مدن اعزاز والراعي وصوران وأخترين ومارع، وإتباعها بدفعتين عدد كل منهما 600 شرطياً، وانتظار الدفعة الرابعة التي ستتخرج خلال أيام (600 شرطياً أيضاً)؛ يصبح قوام الشرطة الحرة في الريف الشمالي لحلب ما يقارب 3000، والعدد مؤهل للزيادة مع افتتاح دورات جديدة. ناهيك عن 445 عنصراً من الشرطة الحرة دخلوا إلى مدينة جرابلس، وحوالي 1500 شرطياً إلى مدينة الباب سيتم تدريبهم على دفعات. بالإضافة إلى شرطة حرة نسائية أُعلن عن افتتاح باب الانتساب إليها منذ أيام في مدينة جرابلس.

يختلف عمل الشرطة الحرة الجديدة عن تلك القديمة التي كانت مدعومة من منظمة أجاكس، وإن حملت الاسم نفسه. والتي كانت متركزة بأيدي بعض القادة، يتم التعيين فيها من خلال الشللية والقرابة، بحسب محمد الحسين، أحد عناصر الشرطة الحرة الحالية، الذي قال لـ«عين المدينة»: «حاولت في السابق الانضمام إلى صفوف الشرطة الحرة ولكن محاولاتي باءت بالفشل، فلم يكن هناك شروط للتقدم ولا آلية للانتقاء. كل ما عليك هو أن تكون على صلة بأحد قياداتها». كما أن دور الشرطة الحرة السابق كان باهتاً في ظل غياب القوة الرادعة التي تقوم على أساسها بحماية المواطنين والممتلكات العامة والحد من التجاوزات. أبو حسين، أحد أصحاب المحال التجارية في مدينة اعزاز، قال: «كان الدور الذي تقوم به الشرطة الحرة قاصراً على ركوب السيارات والمرور بها في الشوارع، لم يكن هناك من نلجأ إليه أو من يساعدنا».

بدأ دور الشرطة الحرة في اعزاز بالظهور خلال الشهرين الأخيرين، وخاصة بعد أن استلم قيادتها أبو عمر زيدان (حجي حريتان). يقول الأستاذ عمر العلي، أحد حاملي شهادة الحقوق في صفوف الشرطة الحرة: «أجرى أبو عمر تغييرات كبيرة، إذ استقطب حملة الشهادات الجامعية أو الذين يتقنون العمل على الكمبيوتر أو يجيدون إحدى اللغات الأجنبية، وسلمهم إدارة مكاتب المديرية». وأكمل العلي أن الإشراف المباشر على الأقسام في الشرطة الحرة يكون من ضباط أتراك وسوريين، واصفاً دورهم بالتكاملي: «فعمل الضابط السوري مكمل لعمل الضابط التركي، والعكس صحيح».

تم تقسيم عمل الشرطة الحرة إلى مكاتب، أهمها مكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات والأدلة الجنائية والمخابرات ومكتب الدراسات ومكتب التربية والمكتب اللوجستي ومكتب التسليح، بالإضافة إلى الديوان والبريد. وتوزعت اختصاصاتها على شرطة مرور وشرطة حواجز وشرطة مخافر وشرطة حماية، بالإضافة إلى شرطة الكوماندوس. وتكمل عمل الشرطة الحرة محكمة مدنية ومحكمة عسكرية تابعتان للشرطة الحرة يقوم عليهما قضاة سوريون. وتسعى الشرطة الحرة إلى أن تكون الجهة الوحيدة الضامنة للأمن الداخلي في المناطق المحررة. وقد استطاعت، بالاتفاق مع الفصائل العسكرية الموجودة، استلام العديد من المدن والقرى في الريف الشمالي، كجرابلس والباب والغندورة.

عقود شفوية ورواتب بالليرة التركية

وقال العلي لـ«عين المدينة»: «ليس هناك عقد مكتوب بين الحكومة التركية أو أي جهة وبين عناصر الشرطة الحرة، لكن هناك وعود من الجانب التركي بالضمان الصحي والاجتماعي». وفي الوقت ذاته أكد المحامي أن «هناك أربع حالات وفيات بين عناصر الشرطة الحرة منذ استلامها عملها جرى صرف رواتب لعائلاتهم من الحكومة التركية، كما يتم علاج عناصر الشرطة وتسهيل دخولهم إلى المشافي التركية إن لزم الأمر، لكن دون عقود ملزمة». ويتقاضى عنصر الشرطة الحرة راتباً شهرياً قدره 800 ليرة تركية غير مُطعم، بعد أن كان يتقاضى في الأشهر الماضية 600 ليرة كمُطعم.

آراء الأهالي

قال محمد الإسماعيل، من أبناء اعزاز: «أسهم وجود الشرطة الحرة في استقرار المدينة، فقد بات من السهل التوجه إلى جهة مسؤولة في حال تم الاعتداء عليك. كما شهدت المدينة انحساراً لعمليات الخطف والسرقة وبيع الحشيش والمخدرات، بعد أن كانت تباع على الأرصفة». وأضاف إنها: «خطوة إيجابية في الطريق الصحيح. فلو تركت الأمور لنا سنتقاتل على كل شيء، وستنتهي الشرطة كما انتهى غيرها».

بينما يخالفه الأستاذ عبد الناصر، المدرّس في اعزاز، الذي قال إن «الدور الذي تلعبه الحكومة التركية هو دور احتلال، إذ ألغت عمل المجالس المحلية، وربطت حياة الناس بالعجلة التركية، وتحول السوريون إلى مجرد منفذين للأوامر».

ثلاثة مشاف بإشراف وزارة الصحة التركية

وقّع الهلال الأحمر التركي عقود عمل مع الأطباء والفنيين في المشفى الأهلي في اعزاز، بعد توقفه عن العمل بسبب قلة الدعم المقدم من منظمة IMC، وعدم دفع رواتب العاملين لمدة ستة أشهر، ما انعكس سلباً على عمل المشفى وكادره المؤلف من أكثر من 20 طبيباً وحوالي 25 ممرضاً وعاملاً. ليعود المشفى إلى العمل في بداية حزيران بدعم تركي ودور يقتصر على الإشراف، فقد احتفظت وزارة الصحة التركية بمعظم العاملين في المشفى، وعملت على توظيف كوادر جديدة، والتعاقد مع أطباء أتراك في الاختصاصات النادرة. ولكن الصيدلي إبراهيم قال لـ«عين المدينة» إن رواتب العاملين في المشفى قد نقصت بما يقارب 25% في العقود الجديدة، إذ «حدد راتب الممرض بـ600 ليرة تركية، وراتب فني التخدير والمخبري 1000 ليرة، و2000 ليرة للطبيب المقيم، و3000 للطبيب الاختصاصي، و500 للعمال والحراس». كما أكد الصيدلي «أنه لم يتم دعم المشفى بأي أجهزة جديدة باستثناء جاز إيكو عادي، ولكن هناك وعوداً من الهلال الأحمر التركي باستكمال التجهيزات».

وتشرف وزارة الصحة التركية على ثلاثة مشاف رئيسية في الريف الشمالي والشرقي لحلب، هي المشفى الأهلي في اعزاز، ومشفى جرابلس الذي افتتحته وزارة الصحة التركية في تشرين الثاني 2016 بعد أن حوّلت إحدى المدارس إلى مشفى يتسع لـ40 سريراً ويعمل فيه كادر من 80 موظفاً، ومشفى الحكمة في مدينة الباب الذي أعادت هذه الوزارة تأهيله أيضاً.

ويقول الصيدلي إبراهيم: «هناك خطة تركية لبناء نقاط طبية في القرى والمدن الأخرى من الريفين الشمالي والشرقي. ولا دور لمديرية صحة حلب الحرة والمجالس المحلية في عمل هذه المشافي أو التعاقد مع الموظفين، إذ تقوم وزارة الصحة التركية بهذا العمل وحدها».

مناهج ومدرسون سوريون، وراتب تركي

صارت معظم مدارس الريفين الشمالي والشرقي لحلب تتبع وزارة التعليم التركية، التي تولت تجهيز وترميم العديد منها. ويوجد الآن في مدينة اعزاز وما حولها 35 مدرسة، بينما بلغ عدد المدارس التي أهلتها الحكومة التركية في مدينة الباب تسعاً.

تدفع الحكومة التركية رواتب معلمي هذه المدارس، بمعدل 600 ليرة تركية شهرياً. ولا تتدخل في تعيينهم، إذ يقوم بهذه المهمة المجمع التربوي. يقول الأستاذ محمد السعيد من مدينة الباب: «ستنظم الحكومة التركية دورات تأهيلية للمعلمين في مناطق الريف الشمالي والشرقي يتم من خلالها اختيار الكوادر التدريسية». وعن المناهج المقررة يقول: «هي المناهج السورية المعروفة نفسها، مع إلغاء مادة القومية وتعديلات بسيطة في كتب مادة التاريخ». ويرى الأستاذ محمد «أن الارتباط بالحكومة التركية ضرورة في هذه المرحلة، فمعظم الطلبة الذين يتخرجون من مدارسنا ليس لهم مكان يذهبون إليه إلا الجامعات التركية».

من جانبه قال عدنان سويد، وهو مدرّس لغة عربية من مدينة الباب: «يعاني معظم الطلبة السوريين في المناطق المحررة من عدم قبولهم في الجامعات التركية، ولذلك كان من الأفضل أن تقوم منظمات دولية برعاية هذه المدارس كي يتسنى للطلاب إكمال تعليمهم».

ابتدائيةفي جرابلس