لصوص الكابلات والآبار في السويداء.. ميليشيات منظمة تبيع النحاس للفرقة الرابعة

من الإنترنت

مع استمرار حالة الفلتان الأمني "المقصود" في كافة مناطق محافظة السويداء منذ أكثر من خمس سنوات، تزداد التعديات التي ينفذها لصوص مسلحون يرتبطون بعصابات منظّمة ومحترفة، على الممتلكات العامة والبنية التحتية، وخصوصاً في القطّاعات الخدمية التي ترتبط بحياة الأهالي المعاشية بشكلٍ يومي. يركز المعتدون على ثلاثة قطّاعات خدمية هي آبار المياه والري، شبكات الكهرباء، وخطوط الاتصالات الهاتفية وشبكات الانترنت.

يقول سامر الحلبي الموظف في مؤسّسة مياه السويداء لعين المدينة، أن التعدّي على آبار المياه تنفذّه مجموعات مسلّحة ومحترفة، تعمل على تخريب تجهيزات الآبار، وقطع الكابلات وسرقتها مع المولّدات والمضخّات الكهربائية المركبة عليها.

ويضيف الحلبي: "يسبّب هذا الاعتداء خروج الآبار عن الخدمة، ويلحق المؤسّسة خسارات وفقدان للمواد والتجهيزات المستوردة لتسيير عمل هذه الآبار، وبالتالي انقطاع خدمة تزويد المواطنين بمياه الشرب، والمزارعين عن سقاية المزروعات ومشاريع الري الموزّعة على امتداد المحافظة".

ويكشف الحلبي أن مؤسسة المياه في السويداء مديونة بحوالي 15 مليون ليرة سوريّة لشركات القطّاع الخاص المسؤولة عن عمليات الإصلاح والصيانة. ويشير إلى أن قطّاع المياه "يواجه نزيفاً حاداً ليس فقط بفعل السرقات والتعدّيات التي تسبب خسائر فادحة، بل يواجه جملة تحديات"، منها عدم استقرار التيّار الكهربائي وساعات القطع الطويلة، إضافة إلى تقنين المحروقات المخصصة لمؤسسة المياه وكلّها عوامل أدت لأزمة مياه حادّة في جميع مناطق محافظة السويداء.

تطال التعدّيات أيضاً خطوط الشبكة الكهربائية من خلال سرقتها، وتخريب المحوّلات وسرقة أجهزة إنارة الحدائق والطرق. كما يجري إطلاق الرصاص عليها في أحيان كثيرةٍ بقصد إخراجها عن الخدمة، وزيادة مشكلة انقطاع التيار الكهربائي.

يقول موظف في شركة كهرباء السويداء فضّل عدم ذكر اسمه لعين المدينة، أن الاعتداء على خطوط الكهرباء يتم بشكل يومي، ويحدث غالباً بهدف سرقة الأكبال لبيع النحاس المستخرج منها. ويضيف بأن شركة الكهرباء تخسر شهرياً ملايين الليرات بفعل السرقات، يتيحه "تقاعس من الجهات الأمنية التابعة للنظام في مكافحة هذه الظاهرة، التي تنعكس بشكل سلبي على جميع سكان المحافظة". ويلفت إلى أن الأمر ينعكس بالضرر حتى على عناصر الميليشيات التي تنشط في هذا المجال، ويذكّر للتدليل على ذلك بمقتل شاب ينتمي إلى الميليشيات من أهالي قرية الحريسة في ريف السويداء الشرقي أواخر آب، أثناء محاولته سرقة كابل توتر في المنطقة.

القطاع الثالث الذي يتعرض لاعتداء السرقة والتخريب هو قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكات الإنترنت، إذ تتعاظم معاناة أهالي محافظة السويداء جراء تزايد سرقة كابلات الشبكة الهاتفية الأرضية وتجهيزات شبكة الإنترنت، ما يتسبب بانقطاع الاتصالات الهاتفية وخدمات الإنترنت عن المشتركين في غالبية المناطق التي يقع عليها الضرر، لتصل في بعض الأحيان إلى خروج آلاف الخطوط الهاتفية عن الخدمة، وخسائر كبيرة تتبكدّها مؤسّسة الاتصالات في إعادة تأمينها وإصلاح الكابلات الضوئية المتضررة، وتأمين الكادر الوظيفي لإعادة تأهيلها من جديد، بحسب مصدر في شركة الاتصالات.

يحصل اللصوص من تجارة النحاس المستخرج من كابلات الكهرباء المسروقة وغيرها على أرباح مرتفعة، وينشط بيع النحاس المسروق في السوق السوداء. ويؤكد الصحفي ريّان معروف مسؤول تحرير "شبكة السويداء 24" لعين المدينة، أن الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام تحتكر تجارة النحاس، وتمنع خروجه من المحافظة لأي جهة أخرى عبر حاجزها الموجود على طريق دمشق/السويداء. ويضيف معروف بأنه ليس من الضروري دائماً انتماء اللصوص إلى جهات مسلحة موالية للنظام، ولكنهم يبيعون النحاس بعد استخراجه لسماسرة مرتبطين بالفرقة الرابعة، وبالتالي تسهل الفرقة الرابعة عمليات السرقة على نطاق واسع من خلال شراء المسروقات.

يهرّب مجمل السرقات إلى مراكز تجميع تشرف عليها جهات متنفّذة، ليتمّ تهريبها إلى خارج سوريا عبر معابر وخطوط تديرها مافيات أمنية وميليشيات تابعة لها. وهذا ما يؤمّن لتلك العصابات مصادر تمويل داخلية تضاف لمصادر التمويل الناجمة عن بيع المخدّرات وفديات عمليات الخطف والقتل المأجور و إتاوات الحماية.

ويبدو تمرير هذه المسروقات عبر الحواجز الأمنية المنتشرة في مناطق المحافظة وعلى الخطوط الرئيسيّة فيها وتحت أنظار القاصي والداني، كأنّه عمل ممنهج يؤكّد تعامل الجهات الأمنية وعناصرها القائمة على الحواجز مع تلك العصابات.

وتفيد مصادر أهلية لعين المدينة بقيام العصابات بتجنيد بعض الأطفال والمراهقين لجمع معدن النحاس المتواجد في الكابلات مقابل خمسة عشر ألف ليرة سورية، مستغلين الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعانون منها.

في حين يضطر المجتمع الأهلي ضمن هذا الفلتان الأمني إلى حماية هذه المؤسّسات بأنفسهم أحياناً، كما حدث في بلدتي الهويا وقنوات مثلاً. بينما تحاول بعض الفصائل المسلّحة المحلية لعب دور الحامي لهذه المؤسسات وحماية الموظفين القائمين على حراستها وتسيير أمورها، بعد أن تعرض الكثير منهم للضرب والتعذيب والخطف والقتل، كما حدث لحارس البئر في بلدة عتيل منذ أيامٍ معدودة، والذي قتلته عصابة مسلحة بهدف سرقة أكبال البئر.