كيف ضاع الجولان؟

  من المعروف أن الكثيرين يحمّلون حافظ الأسد، بوصفه وزيراً للدفاع وقائداً لسلاح الطيران وقتها، المسؤولية عن سقوط الجولان بيد القوّات الإسرائيلية، عام 1967. وفي هذا السياق يأتي كتاب «كيف ضاعت الجولان؟؟ جريمةٌ لا تغتفر»، الذي صدر عام 2007، بتوقيع المحامي جريس الهامس، الذي كان رئيساً لشعبة الدفاع المدنيّ في مدينة القنيطرة.

ويقدّم المؤلف بخلفيةٍ عن وضع الجيش السوريّ قبيل الحرب، بعد أن تم تسريح المئات من أكفأ ضباطه، إثر انقلاب البعث عام 1963، واستعيض عنهم بضباطٍ احتياطٍ لا يجيدون سوى ترديد شعارات الحزب وإظهار الولاء لقادته. وكان معظم هؤلاء الضباط من معلّمي المدارس وموظفي الدولة السابقين. فعلى سبيل المثال، كان مساعد رئيس جبهة الجولان محامياً لا يتقن قراءة خارطةٍ عسكرية.
وفضلاً عن ذلك، كان خطاب الأنظمة الثورية في مصر وسورية وسواهما حادّ النبرة، مستفزاً للأعداء ومحرّضاً لهم، ومخادعاً بحقّ شعبه الذي تصوّر أن هذه الأنظمة العسكرية، إن لم تفلح في أيّ شيءٍ آخر، فلا بدّ أنها ستفلح في الحرب! ففي تصريحٍ لحافظ الأسد، قبل العدوان الإسرائيليّ بأسبوعين، يقول: «لقد أصبحت استعداداتنا لمواجهة العدوان كاملة. وقد أخذنا بعين الاعتبار احتمال تدخّل الأسطول السادس الأمريكيّ...»!
وكــانت هذه التـصريحـات الدونكيشوتية، وأمثالها الصادرة عن إذاعة صوت العرب من القاهرة ومذيعها الشهير أحمد سعيد، فرصةً سانحةً لإسرائيل لكسب التعاطف العالميّ، فشنّت عدوانها الخاطف الذي قصم ظهر خصومها في ثلاثة دولٍ هي مصر وسورية والأردن في وقتٍ واحد.
أما كيف أُعلن عن سـقوط القنيطرة قبل حدوثه فينقل المؤلف رواية محمد الزعبي، وزير الإعلام وقتها، الذي طلب منه حافظ الأسد إذاعة البيان 66 معلناً عن سقوط المدينة، صبيحة التاسع من حزيران. ليعاود وزير الدفاع الاتصال بعد ساعة، معترفاً أن البيان خاطئ، وأنه استقى معلوماته من أحد الملازمين، رغم وجود رئيس أركان الجيش ومساعده في غرفة عمليات الجبهة، وعدم مغادرتهما لها إلا بعد أكثر من عشر ساعاتٍ على البيان، وكانت القوّات الإسرائيلية ما تزال على بعد كيلومتراتٍ منها.
وفي حين اعترف الرئيس المصريّ جمال عبد الناصر بالهزيمة، وأعلن- ولو شكلياً تحمّله للمسؤولية عنها- أعلنت دمشق عن انتصارها، لأن العدوان لم يستطع إسقاط النظام التقدميّ فيها. فيما اعتكف الأسد في مطار المزّة لشهرٍ كامل، تحت حماية سرايا الدفاع التي كان يقودها شقيقه رفعت، الذي يرى المؤلف، معتمداً على ما قاله أنور السادات لطبيبه الخاصّ محمود جامع، أنه هو من سلّم القنيطرة، بالتنسيق مع الموساد الإسرائيليّ، مقابل ملايين الدولارات. ولم تتمّ محاكمة وزير الدفاع لسببين، فيما يرى المؤلف، أولهما هو العصبية الحزبية، وثانيهما العصبية الطائفية.