كلن يعني كلن.. في كل مكان

تمور منطقة الشرق الأوسط مجدداً، أو أنّها لم تتوقف منذ انطلاق الربيع العربي عن الغليان، تاركة فضاء التوقعات مفتوحاً على لحظة تحول ممكنة.

على وقع تصعيد عسكري في شمال سوريا، وتكوين واقع قوى جديد بعد عملية "نبع السلام" التركية السورية، قامت قيامة لبنان من حيث لا تحتسب ميكانزمات استقرار معسكر الطغيان الممانع، وتبدد بسرعة مذهلة بنيان التخويف المذهبي والطائفي الذي اقتات عليه نظام تركة الأسد في البلد.

شعار "كلن يعني كلن" لا يبدو أنه تخصيص لبناني يعنى بدفع كل الطبقة السياسية الفاسدة في مواجهة قرار الشارع، إنما هو استبطان لعمومية مشهد المنطقة برمتها، حيث يعتقد البعض في طغم الممانعة أنهم ناجون من طوفان الاضطرابات الكيانية الذي يزداد عمقاً.

في سوريا، حيث يستعيد النظام في كل تجربة وطارئ صورته الناجزة؛ كعفيّش يترقب أي سانحة لينكل بالسوريين، ويعتاش على توهمات أنصاره، بانتصار لا هو حققه ولا هو قادر على الدفاع عن مكاسبه فيه دون ترخيص من رعاته الروس والإيرانيين.

وفي سوريا ذاتها، حيث مهدت ثورتها العظيمة لانتفاضة لبنان؛ بكشف حقيقة جوهر الممانعة الطائفي – الإرهابي، وتقويض أبراج الخطابيات الفارغة لزعيم حزب الله في مواجهة مع مذابحه بحق السوريين وانكشاف أجيريته الفاقعة، في سوريا هذه يعود نظام الأسد إلى دور القمَام الذي انقلب على جثة اقتصاده المنهك ليطلق دورة نهب ذاتية ممن كانوا صفوته يوماً، كي يمول حرب بقائه التي لا تقارب نهايتها مهما توسلها عبر وحشية منفلتة. وكما هي الحال دائماً يجدد سرديته المزرية مطلقاً وعيده الذي لم يعد أحد من شبيحته يصدقه فعلاً، ثم ينسحب إلى صمت انقضاء أوان السؤال عما حدث.

في لبنان، يواجه الأسد وإيران اختبار الحاجز الآمن، حيث تطرق الثورة باباً لم يكن في الحسبان، أو أنه كان في نطاق ما يعتقد أنه موصد بإحكام.

لولا ثورة سوريا، ما كان ممكنا مواجهة أصنام الثوابت الخاوية، وما كان ممكناً وضع معسكر الإرهاب أمام حقيقته الفصامية، لينعت ثورتين قامتا ضده بالتآمر لأسباب متنافية.

لا نفرط في تقدير الذات، ولا ننكر الفارق، لكنها وحدة في التحولات وفي مآل المنطقة برمتها.. إذا ترنح في بيروت سيعرج في الشام، وإذا عرج في الشام سيهوي في كل مكان.. إنها قضية تآكل لا مهرب منه.