فوضى السلاح في شمال غرب سوريا وأثره على النساء

الصورة من موقع gfbv.de

صحيح أن النساء في إدلب لم يشاركن في الأعمال القتالية، إلا أنهن تعرضن -وما زلن يتعرضن- لكافة أنواع الإصابات الناتجة عنها كالجروح والحروق والتشوهات والإعاقات المختلفة التي أرهقتهن نفسياً وجسدياً، ومن أسباب تلك الإصابات انتشار السلاح بين المدنيين والعبث به، حيث يعتبر الحصول عليه في المناطق المحررة أمراً بالغ السهولة، نظراً لانتشار المحلات التجارية التي تقوم ببيع وتصليح كافة أنواع الأسلحة الفردية.

بعد كل هذه السنوات التي مرت على الحرب، وبعد كل الإرشادات والنداءات والمواد الإعلامية التوجيهية والأضرار الماثلة أمام الأعين، ما زال لانتشار السلاح الكبير في المناطق المحررة وسهولة اقتنائه والحصول عليه من قبل المدنيين أثره الخطير والمدمر على حياة السوريين، خاصة النساء اللواتي عانين في الحرب القائمة جميع أنواع القهر والفقد والنزوح والعنف، وأدت الفوضى واستخدام السلاح العشوائي إلى زيادة حالات الانفلات الأمني والجرائم المتعددة التي كان من ضحاياها المرأة التي تعرضت للقتل والإعاقة والإجهاض والكثير من الضغوط النفسية التي ضاعفت معاناتها خلال الحرب.

الشابة فاتن العمر (18 عاماً من معرة النعمان، أصيبت أثناء لعب أخيها اليافع ببندقية والدهم، ما تسبب لها بإعاقة دائمة في ساقها اليمنى نتيجة الحادثة)، تقول والدتها بحزن بالغ: "أجري لابنتي عدة عمليات لعلاج ساقها ولكن دون جدوى، فأعصاب الساق تضررت إلى حد كبير". تصمت الأم قليلاً ثم تتابع بغصة "منذ تلك الحادثة وابنتي أصبحت تعاني من مشكلات نفسية، خيم الحزن والاكتئاب على حياتها، وباتت تميل إلى العزلة والبكاء معظم الوقت، كما أنها تركت دراستها على الرغم من أنها كانت متفوقة". 

لكن يمكن اعتبار فاتن محظوظة قياساً إلى الضحية منال القدور من ذات منطقتها، التي فارقت الحياة في العام 2019 عندما اخترقت جسدها رصاصة من بندقية زوجها التي اشتراها قبل يوم واحد فقط من الحادثة، حينما كانت تحاول رفعها أثناء ترتيب البيت.

أما فاطمة القاسم (25 عاماً من قرية الدير الشرقي) فقد أدت رصاصة طائشة من زوج طائش إلى تركها عاجزة مدى الحياة، بعد أن أصيبت بطلقة من سلاح زوجها الذي دخل في مشاجرة مع أحد أقاربه، فكانت إصابة عمودها الفقري سبباً في شللها. لم تتوقف مأساة القاسم عند هذا الحد، بل جاء طلاقها ليكمل مأساتها، بعد أن لجأ إليه زوجها ليتخلص من مسؤولية وتكاليف علاجها والاهتمام بها، حسب رأي أحد أقاربها.

وقد كان لرولا الأحمد (28 عاماً من ريف إدلب) مصير أكثر مأساوية، حيث تعرضت للموت حرقاً ببودرة الديناميت التي كان زوجها يخزنها في منزله بحكم انتسابه لإحدى الفصائل العسكرية المقاتلة. وعن تفاصيل الحادثة تقول شقيقة رولا التي رحلت تاركة خمسة أطفال صغار: "كان زوجها قد وضع البودرة على متن خزانة الملابس حتى لا يستطيع الأولاد الوصول إليها، ولكن مصباح الإضاءة الليزري كان على مقربة منها، ويبدو أن البودرة جذبت شيئاً من حرارة المصباح، وهو ما أدى إلى اشتعالها".

هذه القصص وغيرها، تعتبر عينات من الآثار التي يتركها انتشار السلاح بين المدنيين على صحة النساء الجسدية والنفسية وحتى الاجتماعية، وحول ذلك يعلق الناشط الإعلامي معاذ العلي من مدينة إدلب: "لقد كانت حالات القتل بالسلاح نادرة في السابق، أما الآن نواجه مشكلة غاية في الخطورة وهي الحالات المتكررة للقتل في بعض المشاجرات والاحتفالات، حين يُطلق عدد كبير من الذخائر على يد البعض". ويضيف العلي بأن الأمر لايتوقف عند هذا الحد، بل يزداد خطورة عندما يُستخدم هذا السلاح في عمليات الخطف والسرقة والاعتداء على أملاك المدنيين دون أي رقابة أو ملاحقة.

و للحد من هذه الظاهرة واستنباط حلول لها، يرى المحامي إبراهيم العلوش عضو في نقابة المحامين السوريين الأحرار بريف حلب أنه لا بد من وضع حد لهذه الظاهرة من خلال سَن قوانين صارمة تحمّل المحلات التجارية مسؤولية بيع السلاح للمدنيين غير المقاتلين ضمن التشكيلات العسكرية، ويكون ذلك بتكليف رسمي من قادة التشكيلات في مناطق المحال أو أحد المسؤولين، بمعنى أن يكون بيع السلاح بموجب ترخيص رسمي تصدره السلطات على الأرض، فالوضع حسب العلوش يحتاج إلى "قوانين تجرم أي شخص يضبط بيده سلاح فردي غير مرخص، أو في غير مكانه المناسب، كما (يتوجب) منع إطلاق الرصاص في المناسبات الاجتماعية المختلفة كالأعراس وتشييع الشهداء وغيرها، وضبط المشاجرات التي يلجأ فيها بعض المدنيين لاستخدام قوة السلاح لأغراض وغايات شخصية".

وإلى حين ضبط بيع السلاح وحمله واستعماله، يعتقد المحامي العلوش أن المهمة تقع على الجهات المعنية بالنشاطات المجتمعية، في إقامة "لقاءات ودورات توعوية لترسيخ المعنى المراد من حمل السلاح وكيفية التعامل الإيجابي معه“، حسب تعبير العلوش.