عيد السكّر في تركيا… حلقوم وصُلح وملوكية

يطلق الأتراك على العيد الذي يلي شهر رمضان إضافة لتسمية عيد الفطر مسمّى آخر وهو "عيد السكّر"، وتعود التسمية إلى تقليد إبان العهد لعثماني بتوزيع السكر على الجنود والأطفال، والذي يبدأ منذ منتصف شهر رمضان وحتى آخر أيام العيد، ليصبح تقليداً شعبياً في إعداد الحلوى وتوزيعها، فيما يرى بعضهم أن تحريفاً للكلمة جرى خلال نقل الحروف العربية إلى اللاتينية من عيد الشكر إلى السكّر.

لا مكان للحلوى على الرفوف قبيل حملة تنظيف "إن مسكت مجهراً لن ترى ذرة غبار" كما وصفتها بيرنا العشرينية، التي جعلت من تنظيف المنزل قبيل قدوم العيد بأيام أحد أهم أولويات التحضير له، "هذا العيد الأول لي مع أهل زوجي، فالعيد الأول بمثابة الاختبار الأول لي". رغم إقامة بيرنا في العاصمة أنقرة إلا أن للعيد في "ريزة" إحدى المدن المطلة على البحر الأسود ميزة أخرى، حيث تقام في الأعياد الأراجيح للناس من كل الأعمار، فهي في اعتقاد سكان البحر الأسود بمثابة التنفيس عن تعب الصيام وطلباً للاسترخاء.

تتحضر غول آي الخمسينية لقضاء عيد الفطر الأول مع أحفادها بُعيد طلاقها: "لا شيء يمنعني من إسعاد أحفادي فهداياهم ومصروف العيد قد جهز، وقبلة اليد وتبادل الهدايا مع أحفادي هي العيد المتبقي لدي". وتضيف: "لم يعد للعيد جو كما في السابق، كنا نجتمع، نثرثر حتى الفجر ونحن منغمسات في تحضير كعك العيد، الآن كل شيء موجود في الأسواق ويكتفي الجميع بشرائه".

تمتلئ رفوف المطابخ التركية في عيد السكّر بأصناف مختلفة من الشوكولا ومسحوق اللوز والبقلاوة، لا يزاحمها في ذلك سوى حلوى الجلاش (عبارة عن رقائق عجين تحضّر بطريقة معينة ويتم حشو هذه العجينة بحشوات مختلفة؛ فيمكن حشوها بالمكسرات، أو الجبن، أو القشطة" والتي تجد لها مكاناً في كل منزل، والحلقوم "حلوى هلاميّة طريّة ذات نكهة مميّزة" بألوانها المختلفة والتي تتصدر أبواب المساجد لتوزع على الخارجين من صلاة العيد والمارّة من قبل أشخاص يرتدون الزي التقليدي "الشروال المطرز"، وتمتاز ولاية بورصة بالتزامها بهذا الطقس القديم والمحافظة عليه، مع تبادل التهاني والمصافحة بالرأس، لتكون محطتهم التالية زيارة المقابر.

في المنازل يحرص الأتراك على مشاركة زوارهم طعام فطور العيد، دلالة على انتهاء شهر الصيام، واستعداداً ليوم حافل بالمعايدات دائماً ما يبدأونه بـ "كبير العائلة"، فيده موضع قبلات الصغار والكبار، وبنك محبب يمنح مصروف العيد للصغار. عند انتهاء كل زيارة تكون قطعة سكر ورشة كولونيا على الكف الأيمن ختامها.

قد تبدو تقاليد العيد في تركيا مشابهة لما هو الحال عليه في دول الجوار، لكن للمتخاصمين فسحة صُلح في عيد السكر، إذ جرت العادة كما تروي أمل أن يُجمع المتخاصمون ليتم الصُلح بينهم بوجود وسيط يبادر لحل الخلاف مهما عظُم الخلاف و"انتهاز بركة العيد" حسب تعبيرها. وفي حال رفض الصُلح؟ ما من أحد يرفض الصلح فهو أمر معيب بحق المتخاصمين وبحق عائلاتهم، بكلمة helal olsun أي "سامحني" ينتهي الأمر.

بعد الصلح بين المتخاصمين تبدأ احتفالات خاصة بالنساء اللاتي يدعين الأقارب والجيران لتناول الطعام والذي غالباً ما تكون الشطائر والبرك والكعك وورق العنب أو ما يسمى في بلاد الشام بـ "يالنجي"، (في اللغة التركية المحشي الكاذب أي لا لحم فيه)، إضافة إلى شوربة اللبن على قائمة الأطباق الحاضرة على المائدة التركية في العيد. وقد تنتهي بحفلة شواء في المتنزهات العامة التي تحولت إلى مقصد للعائلات التركية، فالمتنزهات بدعم من البلديات أصبحت مزودة بمرافق ترفيهية للأطفال، حيث حظي الطفل التركي بدعم مرافقه الترفيهية فضلاً عن إقامة نشاطات واحتفالات منظمة من قبل البلديات كمسرح الدمى وغيرها.

يحاول بعض الأتراك مشاركة السوريين زياراتهم وعاداتهم في العيد، وهو ما اعتاد عليه يونس إيمره (23 عاماً) منذ 3 سنوات، ويتوجه عادة إلى منازل أصدقائه من السوريين في أنقرة تلبية لدعوتهم، وطلباً لأكلتي "الرز بالبازلاء" و"ملوكية" اللتين يحاول حفظ اسمهما لمعاودة طلب طهيها من أصدقائه مجدداً، "عادات العيد ليست مختلفة كثيراً عما هي عليه لدى إخوتنا من السوريين، إلا أني أراها فرصة لكسر حدة غربة إخوتي من السوريين والتعرف إلى المطبخ السوري، ما زالت الملوكية تتربع على قائمة أفضل الأكلات السورية بالنسبة إلي" ويضيف: "رغم بعد مساكن أصدقائي من السوريين عني لكن لا مشكلة لطالما أن المواصلات مؤمنة ومجانية طيلة فترة العيد".

"بيرم" أو العيد في تركيا فسحة للراحة والعودة إلى روتين الحياة مجدداً، فمن المعتاد رؤية المدن الكبرى تسدل ستائرها باكراً، بينما تبقى الأحياء ذات الطابع العلماني متفردة في السهر حتى ساعات الفجر الأولى، فالكل له طريقته في الاحتفال