سينما "داعش" في الهواء الطلق الجمهور: يُخَدَّر المحكوم بالإعدام قبل التنفيذ أو يكون مستسلماً للقدر

في شارع التكايا وسط مدينة دير الزور، وأمام الحديقة التي تحوّلت إلى مقبرةٍ للشهداء الذين سقطوا بنيران قوّات الأسد، يستوقف المارّةَ منظرُ رجلٍ ملثمٍ يقرأ من ورقةٍ في يده حكماً بالإعدام على أحد المنشقين، متهماً إيّاه بالردّة. هذا جنديٌّ من داعش يقوم بشكليات الإعدام.

ليس هناك عددٌ ثابتٌ للفضوليين المتجمّعين لحضور الاحتفال الدامي، ولكنه يتجاوز المئات أحياناً، وأكثرهم من المراهقين. في هذه الأثناء تنتظر سيارة داعش في شارعٍ فرعيٍّ، ليترجّل منها بعض العناصر وهم يقتادون المحكوم عليه بالموت، معصوب العينين، هادئاً، مستسلماً لمصيره دون أية حركة رفضٍ أو ممانعة. يأمره أحدهم أن يجثو على ركبتيه، قبل أن تنطلق الرصاصة ليسقط المحكوم جثةً هامدةً تفور من رأسها ووجهها الدماء. وبأمرٍ من قائد العملية، تبدأ كاميرات إعلاميّي داعش والإعلاميين المستقلين بالتقاط الصور، وسط الهتاف "باقية... باقية" الذي تطلقه حناجر الملثّمين ومن يستجيب لدعواتهم بـ"آجر يا شيخ" بالهتاف، فيما يتابع الجمهور ختام المشهد بتركيزٍ عالٍ.
يواصل مقاتلو داعش الهتاف ببقاء دولتهم وهم يحملون الجثة لتعليقها على صليبٍ معدنيٍّ، أو تثبيتها. فيما يسرع آخرون منهم لتنظيف الشارع من آثار الدم، قبل أن ينصرفوا وتعود الحياة إلى طبيعتها. وعلى الفور، في كلّ محلٍ من محلات البقالة والألبسة والمطاعم، وبين كلّ مجموعة أشخاصٍ على الأرصفة، تتناقل أخبارٌ وتحليلاتٌ خاصّةٌ بحادثة الإعدام تلك، ويأخذ تفسير انصياع المحكوم وسلوكه الهادئ نصيباً بارزاً منها. يقول أحدهم: "مخدّر. أكيد مخدّر". فهو يظن، كما الكثيرين ممن شاهدوا حفلات الإعدام، أن داعش تحقن المحكومين بمواد مخدّرةٍ تجبناً لمقاومتهم وإثارة تعاطف الجمهور. أما من يتابع الإصدارات المرئية للتنظيم فيؤكّد أن جنود داعش يسوقون المحكومين أكثر من مرّةٍ، في بروفاتٍ متتاليةٍ تخفّف من جدّية الموقف لدى المحكوم، وحتى يهدأ. وحينها يطلب المخرج أن ينفَّذ الحكمُ ليخرج الإصدار متقناً ونموذجياً في إبراز قوّة داعش وسطوتها. لكن "اللي يقرا حكم الإعدام بعيد بحيل عن المحكوم، عشان ما يسمعه"، يلاحظ محللٌ آخر يرى أن داعش تخبر المحكومين المقادين إلى المنصّة أنهم سيُجلدون فقط، فيما يقرأ مذيع داعش الحكم الحقيقيّ من مسافةٍ تحدَّد بأن يسمعها الجمهور فقط. ويرى آخر أن استسلام الضحية هو تسليمٌ بقضاء الله وقدره، وإدراكٌ أن أيّ فعلٍ لن يجدي في الهروب من هذا المصير المحتم.
تتعدّد التهم التي يُحكم على صاحبها بالموت عند داعش. ففي حالات الإعدام العشر التي نفذها التنظيم في مدينة دير الزور كانت "الردّة" و"سبّ الذات الإلهية" و"التجسّس لصالح النظام النصيري أو المخابرات الأجنبية" هي التهم التي ثبتتها محاكم داعش الخاصّة على الضحايا. فيما تبحث الشائعات عن تفاصيل لاحقةٍ حول دعاوى كيديةٍ وتصفية حساباتٍ شخصيةٍ وتسرّعٍ في تنفيذ الأحكام، كما حدث مع مجنّدٍ منشقٍّ من مدينة حمص، كان مقاتلاً في صفوف جبهة النصرة قبل خروجها من دير الزور. ويختلف مصير الجثث بحسب نوع الاتهام، بين دفنها في مكانٍ مجهولٍ أو تعليقها "لكي يعتبر الناس".
وفي أوقاتٍ أخرى، يشهد الجزء ذاته من شارع التكايا نشاطاً مختلفاً من نشاطات داعش، إذ يصبح ساحةً تُعرض فيها الإصدارات المرئية، كنوعٍ من سينما الهواء الطلق. ففي الليالي الخالية من القصف والمعارك، يغلق عناصر داعش الشارع بصفوف الكراسي، ويثبتّون شاشةً كبيرةً مع ما يلزمها من تجهيزات، وتطلق مكبّرات الصوت الضخمة أناشيد حماسية، ويقدّم عناصر داعش في هذه الأثناء العصير والحلوى للحضور. وعلى الشاشة قد تظهر خيولٌ تجري في الصحراء، أو تشتعل النيران في بناءٍ ضخمٍ، أو تطلق دبابةٌ قذائفها. وقد يحدّق المحكومون بالإعدام في الكاميرا قبل أن ترفع يدٌ الرأس وتحزّ الأخرى الرقبة بسكين. ومشاهد أخرى للسطوة والهيبة أو للجنون.