سكان المخيمات في أرض (اللا جدوى) لم تعد الأخبار تتصدر اهتمامات النازحين السوريين

من أحد المخيمات - الجزيرة

" مللنا من كل شيء“.. هكذا عبر النازح الأربعيني فؤاد السالم عن عدم رغبته بسماع الأخبار من أي وسيلة إعلامية بعد الآن، وخاصة بعد مسرحية الانتخابات التي أبقت نظام الأسد في رأس السلطة على مرأى العالم كله والسماح له بممارسة المزيد من الدمار والإجرام بحق الشعب السوري لسبع سنوات عجاف أخرى.

اختلفت آراء نازحي الشمال السوري وتباينت في تعاطيهم للأخبار على وسائل الإعلام المختلفة فمنهم ما يزال يتمسك بأمل العودة وبمعجزة تصل إلى مسامعه من منصات الأخبار، وآخرون يرون كل ما يسمعونه ويشاهدونه من الأخبار أنها محبطة ومخيبة لكل آمالهم في الحرية والعودة الكريمة إلى ديارهم.

وبينما يهمّ في بناء سور من الحجارة حول خيمته الواقعة في مخيمات أطمة الحدودية، يخبرنا فؤاد النازح من بلدة تلمنس بريف إدلب الجنوبي أن الأخبار باتت بالنسبة إليه مجرد ضغوط نفسية يرغب بتفاديها، وإشغال نفسه بما هو مفيد أكثر، " كبناء هذا السور البسيط مثلاً"، إذ يرى أن ما يجري وراء الكواليس وفي عالم السياسة أمراً منافياً كلياً للحقيقة، وهو يريد إيصال فكرة أن الأخبار والسياسة شيء، وما يعيشه على أرض الواقع شيء آخر كلياً.

 رأي فؤاد يتفق مع آراء الكثيرين ممن تبين لهم وبعد عشر سنوات من الحرب والنزوح والمآسي، أن ما يسمعونه في نشرات الأخبار المتنوعة عبر أجهزتهم الخليوية والإذاعات وشاشات التلفزة، ما هو إلا "كمن لا يرى أبعد من أنفه"، وفق ما قالت علياء القيرومي، النازحة من بلدة كنصفرة والمقيمة في مخيمات سرمدا، وتضيف: "كفى استخفافاً بعقولنا، لسنا أغبياء أبداً، لقد كشفت الثورة السورية كل الحقائق بعد أن أزالت القناع عن المجتمع الدولي بأكمله، والذي كان وما يزال يمعن في ظلمنا وقتلنا والاستمتاع باستمرار معاناتنا"، مشيرة إلى أن عبارات التنديد والتحذير والتهديد التي تتكرر على وسائل الإعلام من قبل المجتمع الدولي لإدانة نظام الأسد، لم تعد ترغب هي ولا غيرها بسماعها.

 لا تنكر القيرومي أنها في الفترات السابقة كانت شديدة التعلق بسماع أخبار سوريا ومتغيراتها -وما تتضمنه من مباحثات وأحداث متسارعة واتفاقيات- على الفيسبوك في مواقع إخبارية متنوعة، ومنهاأورينتوشبكةبلدي نيوزوتلفزيون سورياوغيرها، علها تجد ضمنها ما يطمئنها بإنهاء ما تمر به من ظروف معيشية قاسية، لكنها لم تجد هذا الأمر، بل على العكس، فكل ما يجري من أحداث ما هو إلا تسلسل لتنفيذ توافقات لدول تتلاعب بالشعب السوري وفق مصالحها ورغباتها، على حد وصفها.

 أما الشاب صهيب الباشا النازح من حي الوعر في حمص ويعيش في مخيمات دير حسان، يروي قائلاً "طيلة السنوات العشرة الماضية ونحن متعلقون بالأخبار المحلية بالدرجة الأولى، كونها تمس مصيرنا ومعاناتنا ومستقبلنا، تلك الأخبار التي باتت محور كثير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لكن ذلك لم يعد مجدياً، وخاصة مع استمرار معاناتنا وتآمر الجميع علينا، فلا خبر يفرحنا ولا نتائج مؤتمر تطمئننا، كفانا تعلقاً بأخبار لا تجلب لنا سوى الهم والغم".

استأنف الباشا دراسته الجامعية التي أوقفها سابقاً على أمل الحصول على شهادة ووظيفة تساعده على تحمل أعباء الحياة المثقلة، أما في أوقات فراغه فهو إما يتجه للعمل على نظام "الكوينزات" (الربح الإلكتروني)، أو التسلية بمشاهدة بعض المسلسلات والمشاهد الكوميدية على اليوتيوب، فهو يجدها أفضل بكثير من سماع أخبار العالم وأخبار سوريا تحديداً.

من جهة أخرى لا ينفك الحاج الستيني كمال الشيخ يتابع أخبار الجزيرة والعربية والبي بي سي ومنصات إخبارية أخرى، فهو يستقرئ من خلالها السياسات الدولية والمواقف المتنوعة المتعلقة بالقضية السورية، ويبحث بين تلك الأخبار عن فسحة أمل بعودته إلى بيته وأرضه في كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، التي لم تقر عينه منذ أن هجّر منها قسرياً وعاش في خيمة على الحدود السورية التركية لا تقيه حر صيف ولا برد شتاء.

يظهر من أحاديث سكان المخيمات، أن الأخبار لم تعد أولى اهتمام النازحين الذين راحوا يبحثون عن لقمة عيشهم وتدبير سبل المعيشة الصعبة التي فرضها عليهم نظام مجرم لم يرحم كبيراً ولا صغيراً، وساق إلى وطنهم احتلالات العالم، بعد أن تصدرت أخبارهم المأساوية صفحات معظم الوسائل الإعلامية الإقليمية والعالمية. أو أنهم عادوا إلى الدخول في نفقاللا جدوى" الذي لطالما عاشوا فيه قبل انطلاق شرارة الثورة، حيث يحاول السوري على الدوام الانكفاء في الهموم اليومية الصغيرة والهروب مما يربطه بالشأن العام.

 ووفق أحدث إحصائية لفريقمنسقو الاستجابةفي الشمال السوري، فإن أعداد النازحين السوريين بلغت حتى هذه الأثناء نحو ٢,١ مليون نازح ما يقرب من نصفهم يعيشون في الخيام، من أصل أكثر من ٤ ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة السورية.