داعش في البادية السورية.. يوميات الدولة المتخيلة في حلها وترحالها

تعتبر البادية السورية من أكثر المناطق التي شهدت نشاطاً لخلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خلال السنوات الأخيرة الماضية، في الوقت الذي تسيطر عليها قوات من ثلاث دول هي سوريا وإيران وروسيا. ويغلب التصور عن خلايا داعش في هذه المنطقة أنهم ثلة من مجموعات مطاردة في البراري، تنحصر عملياتهم بالاستفراد ببعض الأهداف المعزولة والبعيدة عن نقاط تمركز القوات العسكرية، لكن نظرة أكثر قرباً تظهر أن عناصر داعش ينتشرون بإعداد كبيرة نسبياً في مناطق عدة على أطراف البادية عدا عن داخلها، ويقيم سلطة أشبه ما تكون بالدولة كان قد جهز لها منذ ما قبل توسعه في سوريا والعراق.

عندما بدأ النظام السوري بمساعدة من إيران وروسيا بالسيطرة على غربي الفرات في دير الزور والرقة بداية من منتصف العام 2017، انتقلت مساحات شاسعة في البادية من سيطرة داعش إلى سيطرة النظام الاسميه، لكنها ظلت ملاذاً لعناصر التنظيم الذين ما زالوا يتوارون فيها ويشنون منها هجمات خاطفة على أطراف البلدات الهامشية والطرق السريعة، بل وتمكنوا في فترات متقطعة من السيطرة لبعض الوقت على بلدات وطرق، حيث أقاموا حواجز للتفتيش ودققوا البطاقات الشخصية للمارة واعتقلوا أو قتلوا بعضهم.

تشغل البادية السورية حوالي 55 بالمئة من مساحة سوريا، وتعد جرءاً من بادية الشام التي تتوزع بين سوريا ولبنان والأردن وتتصل بالصحراء العربية، وتمتد الكتل الجبلية فيها على مساحة 360 كم. كل ذلك ساهم في صعوبة إنزال هزيمة حقيقية بالتنظيم الذي ينشط فيها، رغم بعض الحملات العسكرية الروسية التي هدفت إلى الحد من تأثيره في المنطقة، التي تعتبر ساحة تحرك مفتوحة لربط جميع قطاعاته بهدف الإمداد والتنسيق وشن العمليات الخاصة.

إلى ذلك يمضي مسلحو داعش أوقاتهم في الاستقرار والثبات، في الفترات التي لا يقومون فيها بشن هجمات خاطفة على الطرق الرئيسية في البادية والأرياف المحيطة بمدن صحراوية مثل تدمر، ويستهدفون في هذه الهجمات قوات النظام ومليشيات إيران المتحالفة معه إلى جانب المدنيين.

وتشير تقديرات ناشطين إعلاميين على صلة أو عسكرين في منطقة ال55 القاعدة الأمريكية على أطراف البادية في التنف، أن التنظيم يعتمد على مجموعات وتجمعات مختلفة تتخذ كل منها القرارات بشكل ذاتي في ما يتعلق بالأنشطة والعمليات، فلكل مجموعة أو تجمع قائد يتصرف وفقاً لتقديراته الخاصة، ويدير أنشطة التنظيم داخل منطقته ومسؤولياته. وفي الحالات التي يكون فيها العمل جماعياً، تصبح القيادة لقادة في التنظيم ينتشرون في منطقة الكوم.

اتخذت عمليات داعش في السنوات الأخيرة شكلاً يبدو أقرب إلى محاولة لفت النظر إليه بين الحين والآخر، وإشعار الأطراف والمتابعين أنه ما زال "له كلمة على الأرض"، مثل استهداف سيارات عسكرية أو إقامة حواجز لتدقيق الهويات بحثاً عن مطلوبين له أو فرض الضرائب، بما يوحي أن دولته ما زالت قائمة ولا ينقصه إلا "التمكين" بلغة منظريه. في هذا السياق نفى النقيب في الجيش الحر أحمد علي أبو الطيب فكرة تنقل عناصر التنظيم الدائمة في البراري، وأوضح أن عناصره ينتشرون في العديد من المناطق في سوريا، ومن بين هذه المناطق يمكن القول أن منطقة الكوم تعد العاصمة الرئيسية للتنظيم في سوريا.

تتبع قرية الكوم لناحية السخنة التابعة لمدينة تدمر شرق محافظة حمص، وتقع في الوسط من البادية السورية على مقربة من خمس محافظات (حماة وحمص ودير الزور والرقة وحلب). وأضاف الضابط المقيم في منطقة ال55 في حديث لعين المدينة، أن الكوم تتمتع بالتعداد والسطوة والتجهيز، وتعتبر مصدر قوة أساسية لداعش، بينما تليها منطقة جبل البشري في دير الزور والرصافة قرب الرقة من حيث الأهمية، وتتوزع مجموعات أخرى في منطقة وادي المياه وسد الوعر غرب البوكمال بمسافة تبلغ حوالي 100 كيلومتر، وجنوب تدمر إلى الشرق باتجاه الحدود العراقية، وتختص هذه المجموعات بالرصد والاستطلاع والدعم اللوجستي، وتتألف كل مجموعة من قرابة 40 شخصاً وفق النقيب.

ناشط إعلامي من تدمر طلب عدم ذكر اسمه، رأى أنه من الصعب وضع تقديرات دقيقة ونهائية لأعداد عناصر التنظيم في البادية، لأنها دائمة التغير بسبب القتلى وتغيير المناطق تجهيزاً لشن عمليات خاصة. لكنه قدر عدد مقاتلي التنظيم في منطقتي الكوم والبشري أكبر مكانين لتجمعهم، بما يزيد على 3000 مقاتل، بينما لا يتجاوز عددهم 35 مقاتلاً فقط في ريف السويداء.

وعن تأمين احتياجاتهم اليومية قال أحد سكان البادية العاملين في التهريب وطلب عدم ذكر اسمه أو منطقته، أن التنظيم يعمل في تأمين احتياجات عناصره اليومية عبر عدة طرق إمداد، وذلك بسبب تموضعهم الجغرافي وانتشارهم في مناطق نائية وصعبة الوصول. على سبيل المثال يعتمد عناصر داعش في منطقتي الكوم والبشري على شراء المواد الغذائية والمستلزمات الأخرى من المناطق المحاذية لهم مثل أرياف حماة وحمص والرقة الغربي، أما في البادية الشرقية فيؤمنون احتياجاتهم من مدينة تدمر والسخنة والبوكمال. في حين يعتمدون في السويداء على تأمين الاحتياجات من مدينة السويداء نفسها، وأحياناً من مدينة الضمير في ريف دمشق، وكل ذلك عبر تجار يثق بهم يتعاملون مع التنظيم بشكل دائم. وتابع الشاب أنهم يستخدمون طرقاً أخرى في بعض الأحيان مثل التهريب عبر الحدود مع الدول المجاورة.

"أبو عبد الله" أحد الرصاد في الجيش الحر في منطقة 55 قال بحديثه لعين المدينة، أن عناصر داعش يتنقلون عادة بسيارات خفيفة مثل "تويوتا هايلوكس" أو "شاصات تويوتا" وتستخدم هذه السيارات لنقل المقاتلين والمعدات والإمدادات. كما يستخدمون دراجات نارية في بعض الحالات للتنقل بسرعة وسهولة في المناطق الصحراوية الوعرة، ويحتفظون بمخابئ وأماكن تحت الأرض في الجبال والأودية للاختباء والاستقرار.