جامعيو الثورة القدامى في إدلب خارج وزارات تربيتها وتعليمها

من الأرشيف بعدسة شمس الدين مطعون

يعمل سليم المصطفى بتصليح الدراجات النارية في ريف إدلب الجنوبي، ولكنه لم ينس يوماً أنه كان طالباً جامعياً يفصله عن التخرج مادتان فقط حينما انضم لصفوف الثورة عام 2011 وترك تعليمه الجامعي، ومازال يحز في نفسه أن "تربية" الثورة لم تعتبره جامعياً، ولم تقبله في كوادرها بحجة عدم نيله الشهادة، وما يحز في نفسه أكثر أن الطلبة الذين تجنبوا الانخراط في الثورة وأكملوا تعليمهم، ثم أتوا من جامعات النظام مؤخراً، تبنتهم مديريات التربية الحرة وفضلتهم على جامعيي الثورة الأوائل.

 سليم نموذج لآلاف الطلبة الذين التحقوا بصفوف الثورة السورية منذ عامها الأول، والذين اضطروا لترك جامعاتهم بعد الانخراط بصفوفها، لأسباب منها المشاركة بنشاطاتها بمناطقهم الثائرة، أو بسبب تعرضهم للاعتقال في الجامعات أو الخوف منه.

 أحمد الحسن طالب كلية الشريعة الذي ترك جامعته حينما كان على أبواب التخرج، يقول لعين المدينة: "كنت أعتقد حينها أن من غير الأخلاقي أن أدرس في الجامعة والنظام يقتل أبناء بلدي في المناطق الثائرة، وأن أساهم معه بكذبة (سوريا بخير)، وبالتستر على جرائمه، فاستجبت لدعوات الاعتصام احتجاجاً على القتل، وبعدها التحقت بصفوف المظاهرات" وبعد مضي 8 سنوات على انطلاق الثورة، التي ترك أحمد دراسته في سبيلها، ما زال يبحث عن فرصة توظيف حتى الآن، رغم توظيف الآلاف بكوادر مديرية التربية الحرة. "كجماعة الأعراف نحن، لا تعترف بنا لا جنة ولا نار، فلا مكان لنا بدوائر النظام بعد ثورتنا عليه، ولم تعترف بنا دوائر الثورة، التي يفترض أن نكون أصحاب الأحقية بها" هكذا وصف الحسن معاناته وأقرانه.

 قبل الدعم والوظائف

خلال العامين الأولين من الثورة، كانت هذه الفئة من الجامعيين المنشقين تمثل جامعيي المعارضة عملياً، إذ ساهمت بأبرز النشاطات التي تلزم المثقفين، فقاد ونسق للمظاهرات بعضهم، وساهم آخرون بالتنسيقيات التي كانت تدير شؤون القرى والبلدات الثائرة، وتسد فراغ غياب القانون ودوائر النظام.

 وعلى سبيل التخصص، شكل هؤلاء الجامعيون "رابطة الجامعيين الأحرار"، ثم ساهموا مع المعلمين المفصولين بتأسيس "دائرة المعارف"، النواة الأولى لتأسيس مديرية التربية لاحقاً، كما أسسوا المدارس الأولى في المناطق المحررة في إدلب، ودرسّوا فيها تطوعياً قبل دعم قطاع التعليم.

 يقول أسامة الفيحان أحد أفراد هذه الفئة، لعين المدينة: "كنا ندرس تطوعياً الطلاب النازحين إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي، كما درسنا في المدارس الأولى التي تشكلت تحت إدارة المعارضة في المحرر". وعن صعوبة تلك الظروف وتنصل البعض، أكمل الفيحان: "كنا نبحث عمن يتطوع معنا، وكان العديد من الأشخاص يرفضون ذلك لعدم وجود فائدة مادية، أما نحن كنا نعتبره عملاً ثورياً، وغالب هؤلاء بعد دعم قطاع التعليم تهافتوا على الوظائف"

 معايير جاهلة وظالمة أقصتهم

 بعد تشكيل مديرية التربية الحرة، ودعمها من منظمة كيمونيكس التي رعت قطاع التعليم، وتكفلت بدفع رواتب المعلمين وحددتها ب 100 دولار للمعلم، وضعت التربية معيارين للتوظيف في إدلب: الأول التخرج، والثاني العاملية أي أن يكون الموظف متطوعاً عاملاً بالتدريس، مما أقصى الكثير من الجامعيين الثوار الذين كانوا يدرسون تطوعاً، لعدم تحقيقهم المعيار الأول، ومن هنا بدأ استبعادهم.

 يقول خالد الحمد المدرس الذي تم استبعاده، لعين المدينة: "كلما تحدثنا مع موجهي التربية عن مظلمتنا، قالوا لنا هكذا القانون وهذه هي المعايير، مع العلم أنها قوانين من تشريعهم واختراعهم الجاهل بإدلب، إذ يحق للطالب الجامعي التدريس في تربية حلب الحرة المماثلة، وفي عموم سوريا ما قبل الثورة". وكانت ردود المتعاطفين من إداريي وموجهي التربية، الاعتراف بأن هذه الفئة مظلومة مع العجز عن تقديم أي حل، كما أوضح الحمد الذي صوّر الموقف بقوله: "كمن يضع قانون من اختراعه يخنقك به، ثم يقول لك أنا أشفق عليك".

عمل بعض هؤلاء الجامعيين مع مدارس خارج قطاع التربية، رعتها منظمات داعمة لقطاع التعليم، إذ انتشر في المناطق المحررة العديد من المنظمات التي راحت تنشئ وتدعم مدارس أهلية عدة خصوصاً في المخيمات، إلا أن التربية الحرة بسطت هيمنتها على مشاريع هذه المنظمات، بالتفاهم حيناً وبالقوة أحياناً، لتجعل هذه المنظمات تعمل تحت غطائها وقوانينها، وقد طاوعت غالبية المنظمات مديرية التربية بعد خلافات عدة وقعت بين الطرفين، ومع هيمنة التربية الحرة على مدارس المنظمات، فرضت قوانينها التي تستبعد غير الخريجين، لكنها عجزت عن فصل البعض لرفض المنظمات الداعمة فصلهم، لاسيما وأنهم عملوا معها سنوات.

 يقول أحد موظفي هذه المنظمات، ومدير مدرسة نموذجية ترعاها منظمة تعليمية: "رغم رفضنا الخضوع لقرار الفصل، إلا أننا اضطررنا لتدريسهم في معاهد الثورة، من أجل أن ينالوا شهادات".

 حلول مؤقتة وفاشلة

عد إقصائهم ومنعهم من الدخول إلى سلك التعليم، لجأ بعض الجامعيين إلى تزوير شهادات تم ضبط غالبها، و َدرَسَ البعض في معاهد متوسطة أنشئت في المناطق المحررة، في حين رفض غالب الجامعيين أن يعود من مستوى جامعة رسمية إلى معهد متوسط ناشئ، وحاول قسم منهم متابعة تعليمه في جامعات الثورة فاصطدم بعقبة أكبر.

تشرح إحدى طالبات اللغة الإنكليزية لعين المدينة، أنها اضطرت لتزوير شهادة بسبب التضييق الشديد على الطلاب، وقد تم ضبطها وفصلها، وأنها لم تكن راضية عن فعلة التزوير، ولم تتخيل يوماً أن تقوم بمثل هذا العمل، لكن "عندما اعتبروني بلا قيمة لأن تخرجي توقف على مادة واحدة، وصاروا يوظفون من تخرج ممن وقف متفرجاً على الثورة، اضطروني لفعل ذلك"

كشف العلامات العقدة الأكبر

 كانت العقبة الأكبر في طريق متابعة هذه الفئة تعليمها هو كشف العلامات، إذ تشترط الجامعات الحرة على الطلاب الراغبين بالإكمال فيها الحصول على كشف علامات من جامعات النظام التي درسوا فيها. والكشف جدول يثبت فيه كل علامات الطالب وتفصيل المواد الناجحة والتي لم تنجح بعد.

 رفيف السيد الطالبة التي خرجت من السجن بعد عدة سنوات من الاعتقال بصفقة تبادل، تفاجأت بأن وزارتي ثورتها لن تعطيها إجازة إن أكملت تعليمها، وأن المسؤولين عن التعليم الجامعي يضطرونها إلى الرجوع إلى دوائر النظام لجلب كشف علامات. وقالت مستهجنة هذه الحال: "أيعقل أن يجبروني على التعامل مع عدوي أو اللجوء إليه، أليس عليهم إيجاد حل! بماذا تنفعني وزارات تعليم تعجز عن إعطائي الحق بإكمال تعليمي؟، وهل يعقل أن تتبرأ جامعات الثورة من الطلاب الثوار!"

يُجلب كشف العلامات عبر شبكات تعمل في مناطق النظام بأساليب غير قانونية مقابل أجور عالية، إذ يكلف كشف العلامات من جامعة حلب 400 -600 دولار، في حين يكلف كشف جامعة البعث أكثر من 800، وتتجاوز تكلفة الكشف من جامعة دمشق ذلك، أما كشف جامعة تشرين فيتراوح بين 600 و1000 دولار.

 رغم المبالغ الباهظة التي يكلفها الكشف، إلا أنه تحصيله ليس متوفراً دائماً، لأن الشبكات العاملة لتأمينه تعمل خلسة ويتم كشفها أحياناً، كما جرى أكثر من مرة بجامعة حلب، إضافة لتخوفات أخرى أجملها لعين المدينة الطالب حسين المحمود الذي استطاع بعد معاناة الحصول على كشف، بقوله: "دفعت 400 دولار للحصول على كشف علامات من جامعة حلب، بعد بحث لعامين عن شبكة مضمونة، إذ لا يمكن التعامل مع أي شبكة، فكثير من الطلبة تعرض للنصب، وأحياناً يخدع الطالب بكشف علامات مزور"

 حلول عابرة لمشكلة الكشف لم تحل المعضلة

عملت جامعة إدلب مدة من الزمن على جلب كشوف جامعية عن طريق وساطة الهلال الأحمر السوري، لم يستفد منها الجميع، إذ تمت العملية بُعيد تحرير مدينة إدلب التي كانت عرضة لاستهداف الطيران، ما منع بعض الطلبة من الوصول إلى الجامعة للتسجيل على الكشوف، إضافة لعدم معرفة الكثير منهم بالعملية أساساً، وخصوصاً الذين نزحوا إلى تركيا ثم عادوا لاحقاً، كما شرح لعين المدينة العديد من الطلاب.

 استطاع كادر جامعة إدلب العام الفائت جلب كشوف علامات من جامعتي دمشق وحلب لمرة واحدة، وقد استفاد من كشوف جامعة دمشق غالب طلبتها، لأنه شمل جميع سنوات الثورة، في حين كانت كشوف حلب لا تشمل أول أربع سنوات من الثورة، وهي الأعوام التي انقطع فيها الطلاب الثوار. كما لم يكن باستطاعة كادر الجامعة جلب كل الكشوف من كافة الجامعات، ولم يستطيعوا التحكم بنوع الكشوف القادمة، حسبما أوضح لنا مصدر من الجامعة.

 من الجدير ذكره أننا قمنا بالتواصل مع وزير التعليم العالي في الحكومة المؤقتة (د.عماد برق) أثناء إعداد هذه المادة، وطرحنا عليه تفاصيل هذه المشكلة، وسألناه عن تصورهم لوضع هؤلاء الطلبة، وماذا يمكن أن يفعلوا كوزارة لحل مشكلتهم، إلا أنه تجاهل طرحنا ولم يجب عليه إطلاقاً.

 الحلول الجديدة مخجلة ويرفضها الطلبة الثوار

 في الآونة الأخيرة، سمحت مديرية التربية بإدلب لغير المتخرجين بالتدريس كمتطوعين في مدارسها، في حال عدم توفر من يسد الشواغر فيها، على أن عملهم دون أي مقابل اعتمادي، بينما قد يوعد بتثبيت مستقبلي، أو تعويض مادي، ويعتبر أستاذ رديف أو فئة ثانية.

يقول الطالب الجامعي هيثم الحسين "كنت أتطوع سابقاً لتعليم أبناء شعبي، قبل تأسيس هذه المديريات والوزارات، أما الآن فأجد من المعيب أن أكون أستاذاً رديفاً". ويتساءل الحسين من هم المعلمون الاساسيون، ويجيب على ذلك قائلاً: "الأساتذة القدامى المفصولون، والهاربون من التجنيد أو الاحتياط، ثم المتخرجون حديثاً من جامعات النظام ومعاهد الثورة".

 ويستاء غالب الذين تم الحديث معهم من نقطة تفضيل "الجامعيين الرماديين" عليهم، ويقصد بهم من أكملوا تعليمهم وتخرجوا بعد عدة سنوات من انطلاق الثورة.