تكاد معركة هيئة تحرير الشام ضد جبهة تحرير سوريا تدخل أسبوعها الخامس، حيث فشلت للمرة الثانية في حسم المعركة لصالحها، رغم زجّها بمئات المقاتلين. ليبدو قائدها الجولاني عاجزاً عن إنهاء فصيل كان يظنه لقمة سائغة كغيره، وتكاد تكون المرة الأولى التي يقبل فيها مرغماً بهدنة مؤقتة تلو الأخرى، ليعيد فيها ترتيب أوراقه، وتجميع قواته المنهكة.

تشكيل جبهة تحرير سوريا

في الثامن عشر من شهر شباط 2018، وبعد أيّام قليلة من حرب إعلامية شنتها هيئة تحرير الشام ضد حركة نور الدين الزنكي على خلفية اتهامها بقتل أبو أيمن المصري (المسؤول الشرعي في تحرير الشام)، شعرت حركة الزنكي بأن الساعات القادمة ستترجم خلالها «تحرير الشام» حربها الإعلامية إلى حرب عسكرية، استكمالاً لهجوم سابق لم تنجح به الهيئة قبل أربعة أشهر. وكخطوة استباقيّة أعلنت الزنكي وحركة أحرار الشام –من أكبر الفصائل شمال غرب سوريا- اندماجهما في مسمّىً واحد، ضمن تشكيل (جبهوي) لا يحظى بمزايا الاندماج الكامل، تحت قيادة حسن صوفان القائد السابق لحركة أحرار الشام، فيما يشغَلُ توفيق شهاب الدين (القائد العام لحركة الزنكي) منصب مساعد قائد الجبهة.

صدقت تنبؤات الزنكي، وفشلت كل محاولات ثني الهيئة عن خطوتها الحمقاء تلك، كما وصفها «صوفان» في كلمة مصورة في السادس من آذار حملت عنوان «لا بغي على أحد بعد اليوم». حيث دعا فيها هيئة تحرير الشام بعد خسائرها ضد الجبهة، لوقف اعتداءاتها على فصائل الثورة، وطيّ صفحة «البغي» للأبد. معرباً عن استعداده لوقف إطلاق النار بشكل كامل، وإفساح المجال للمصالحة، وصبّ الجهود وتوجيه البنادق إلى نظام الأسد وروسيا.


احتدام المعارك

بدأت المعارك بهجوم للهيئة على عدد من مناطق سيطرة جبهة تحرير سوريا، في كل من أرياف حماة وحلب وإدلب. ميدانياً لم تتمكن الهيئة من التقدم على حساب الجبهة سوى في تقاد وبسرطون وعاجل والهباطة بريف حلب الغربي، فيما خسرت العديد من المواقع في ريفي حلب وإدلب، من أبرزها: الفوج 111 ومدينة دارة عزة وجمعية الرحال وخان العسل والجمعيات بريف حلب، كذلك مناطق في جبل الزاوية، ومعظم قرى سهل الغاب، وأريحا، ومعرّة النعمان بريف إدلب.

ومع قرب انتهاء شهر على المعركة بين الطّرفين، تكبّدت هيئة تحرير الشام خسائر كبيرة في العدّة والعتاد خلال هجومها. وفي تصريح لـ عين المدينة أفاد مصدر غير رسميّ في جبهة تحرير سورية، بأن قتلى الهيئة تجاوز عددهم 350 عنصراً، من أبرزهم الأمنيّ بشير الشحنة والقيادي أبو أويس المغربي، فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 800 جريح، أما عدد الأسرى فقد بلغ قرابة 450 أسيراً، من أبرزهم القياديّان علي وهوب و د. محمد عبد السلام.

أما في العدة فقد خسر الجولاني ثماني دبابات (تم تدمير قسم منها وعطب آخر)، وثلاث عربات (ب إم ب)، إضافة لتدمير ست آليات أخرى ما بين مدفع ورشاش وقاعدة كورنيت. وبالمقابل خسرت جبهة تحرير سوريا قرابة 50 عنصراً بينهم مدنيون حملوا السلاح للدفاع عن مناطقهم، إلا أن القسم الأكبر من هؤلاء الضحايا تم تصفيتهم بدم بارد على أحد حواجز الهيئة بعد أسرهم.

زخم شعبي

تيّار المناوئين لجبهة الجولاني لم يقتصر على حاملي السلاح فحسب، بل كان للمدنيين دور في رد عدوان الهيئة، حيث خرجت مظاهرات في ريفي حلب وإدلب، نددت بـ «تحرير الشام»، وطالبت بطردها من المناطق المحررة. جاء ردّ الهيئة بإطلاق الرصاص على عدد من المظاهرات، منها معرة النعمان، بابيلا، المسطومة وكفرنبل بريف إدلب. وسرعان ما اكتسب الحراك الشعبي ضد الهيئة زخماً أوسع، خصوصاً بعد وقوع العديد من القتلى في صفوف المدنيين، نتيجة قصف الهيئة مناطق استعصت عليها، حيث استخدمت الدبابات وقذائف الهاون وحتى صواريخ الفيل. ووفق خسائر الهيئة التي تزداد يوماً بعد يوم، يبدو أنها لم تقتنع بعدْ بأنها تقود معركة خاسرة، سيّما أن العامل الأيدلوجي الذي تغذّي به عناصرها أثبت فشله أمام العامل المناطقيّ الذي تميّزت به الزنكي!

لماذا هاجمت الهيئة حليفها السابق؟

كعادتها، بدأت الهيئة باجترار الاتهامات الجاهزة التي لطالما رددتها خلال حملاتها ضد العديد من فصائل الجيش الحر سابقاً، منها اتهاماتها للزنكي بإدخال الأتراك، رغم أنها نفسها تحولت إلى هيئة ترفيق للجيش التركي، كما وصفها الباحث في شؤون الجماعات الإسلاميّة عباس شريفة، والذي يرى بأن السبب المباشر لهجوم الهيئة، هو خشية الجولاني من اتصال ريف حلب الشمالي بالريف الغربي من خلال عملية غصن الزيتون في عفرين، وبالتالي فإن الفصائل التي هاجمها الجولاني وهجّرها سابقاً من أرياف إدلب وحلب، ستصبح عامل تهديد مرعب له. أما عن تعمّده ضرب الزنكي -الذي سعى من خلال اندماجه السابق مع جبهة فتح الشام لتأخير المعركة الحتميّة قدر المستطاع– فهو يأتي بهدف إنهاء فصيل منافس تنشط في منطقته العديد من المجالس المحلية التابعة للحكومة المؤقتة، والمؤسسات المدنية، فضلاً عن كونه يحظى بشعبية لا يمكن تجاهلها. وهو ما يقف عائقاً أمام تمكين حكومة الإنقاذ -الوجه الناعم للجولاني–، وتحقيق حلم إمارته، وهو ما يفسّر أيضاً مهاجمة الهيئة لعدد من المجالس المحلية والمؤسسات المدنية، كنقابة محامي حلب الأحرار وغيرها.