بعض الدواعش حمقى حتى اللحظات الأخيرة

قبل أيام نفذ ديوان الخدمات التابع لتنظيم داعش في بلدة أبو حمام أعمال صيانة لرصيف في شارع رئيسي يعرف بـ(القهاوي)، بالرغم من التقدم المستمر ل(قوات سويا الديمقراطية)، واقترابها إلى مسافة لا تتجاوز (10) كم عن البلدة. سبق إصلاح الرصيف هدم داعش لأسوار المدارس، ورفع سواتر ترابية جديدة، وحفر خنادق استعداداً لمواجهة (قسد).

لم يتبقَ للتنظيم سوى بقعة صغيرة شرق دير الزور، تمثل ما تبقى من (خلافة) توشك على الزوال، ورغم حركة النزوح المستمرة إلى هذه البقعة، ثم منها، ما يزال بعض الدواعش يعيشون حياة (دولة إسلامية)، كما يتهكم أبو محمد الحرداني، أحد أبناء مدينة هجين: «الناس عايشة كأنها بأهوال يوم المحشر، دايخة ما تعرف شتسوي، والأخوة لساهم كأنه بالعام 2014 و 2015». ما زالوا يداهمون صالات الإنترنت، ويتعقبون مهربي التبغ ومدخنيه، ويرصدون مخالفي قوانين اللحية والإزار. يسلم قادة وعناصر بالتنظيم أنفسهم، أو يفرون هاربين من (الخلافة)، وتنقل صفحات الفيسبوك صورهم أذلاء حليقي اللحى بقبضة (قسد) أو قبضة الجيش الحر، حسب ما يقول الحرداني الذي يستغرب «عمى بعض الدواعش»، وتجاهلهم لما يجري من أحداث تدل على «المصير الأسود اللي يستناهم». 

أبو سراقة عنصر من الجنسية العراقية، لم يردعه قصف الطيران الحربي على منازل المدنيين في بلدة أبو حمام قبل أيام عن «النهي عن المنكر»، حسب قوله، وذلك بعد هروب بعض النسوة من منازلهن هلعاً أثناء غارة جوية،  بدون أغطية وجه وبقية اللوازم في اللباس التي تفرضها الحسبة، ما دفع بأبو سراقة إلى إطلاق النار فوقهن، وتوبيخهن ووصفهن «بـ الفاجرات».

يقول أبو علي، وهو صاحب بقالية في مدينة هجين نزح منها منذ أسبوع إلى مخيم السد جنوب الحسكة،  إن الدواعش ظلوا يرفهون أنسفهم بأغلى ما يتوافر في الأسواق (فواكه، مكسرات، لحوم وعايشين ولا كأنه الدنيا مقلوبة حواليهم، أو أنه هاي أيامهم الأخيرة بهالديار).

قد يكون العناد وإنكار الواقع سبب بقاء فئة من الدواعش على حالهم السابقة، وقد يكون الحمق والاعتقاد بصواب سلوك التنظيم لدى بعض هذه الفئة، التي تجعل من ظواهر الهروب في صفوفهم «نعمة يكشف بها المنافقون» حسب تعليق شرعيين في داعش على حوادث الهرب اليومية من التنظيم. ويتصاعد الحمق والإنكار لديهم بتكرارهم عبارات تكاد تنقرض من لغة الدواعش الواقعيين من نوع «باقية وخلافة وغزوة مباركة» 

بايع عبدالله محمد عبيد الهلال تنظيم داعش بعد أيام قليلة من قتل التنظيم لاثنين من أخوته، أثناء المذبحة التي ارتكتبها داعش بأبناء عشيرة الشعيطات صيف العام 2014، بعد البيعة قاتل عبد الله في معارك التنظيم، وفقد ساقه أثناء القتال، فانصرف إلى الشأن الدعوي، وصار شرعياً وخطيب مسجد؛ في خطبة جمعة ألقاها مؤخراً ببلدة غرانيج هاجم أهل أحد أحياء البلدة بالقول «قد بلغني أن شباب وبنات هذا الحي اشتهروا بارتكاب الفاحشة والاختلاط المحرم». ولم ينفذ الحكم الذي حُكم به ب(الجلد تعزيراً) عقوبة على ما قال، بعد شكوى سكان هذا الحي، وظل على غلواه، بل زاد ذلك مع الأنباء التي يسمعها بلا شك عن هزائم (دولته) واقترابها من الزوال.

يذهب الحماس أحياناً بدواعش يمجدون (خلافتهم) حد استعمال العنف وإطلاق النار في الهواء تعبيراً عن الغضب، في حال سمعوا ما يطعن أو يشكك أو يسخر من هذه (الخلافة)، كما يفعل (أبو محمد الشويطي) من بلدة أبو حردوب، الذي طالما سخر واستهان وشمت بالنكسات التي حلت بفصائل الجيش الحر، لكنه لا يحتمل أن يسمع ما يذكره بهزائم التنظيم. وبلغ به الإنكار حداً كذب فيه الصفقة التي عقدتها داعش مع حزب الله اللبناني، بسحب عناصرها من القلمون، ورفع بندقيته بوجه شخص وهدده بالقتل إن تكلم ثانية بهذه القضية. والحماسة ذاتها، فضلاً عن الفصام والجهل حتى بالشريعة الإسلامية وآدابها،  يدفع دواعش إلى عقد مقارنات يتعدون فيها حد احترام رموز وشعائر دينية ثابتة، مثلما قارن أحد تلامذة (أبو محمد) بين (قريتنا) -قاصداً أبو حردوب- والمدينة ومكة، ففضل القرية على المدينتين المقدستين، لأن القرية (تحكّم الشريعة)، بينما تقع مكة والمدينة (تحت حكم آل سلول).