بجهود ذاتية.. النازحون في إدلب يتجهزون من أجل شتاء أقل قسوة

بعدسة الكاتبة

ولّدت محنة النزوح خوفاً مضاعفاً من الشتاء لدى السوريين من سكان المخيمات في شمال غربي سوريا، بحيث يبعث اقترابه في النفوس القلق من مدى الاستعداد لمواجهة البرد والأمطار والسيول والثلج، وسط انعدام السكن اللائق والموارد الكافية والبنية التحتية، ما خلق جاهزية من نوع خاص، وتكيفات تلائم بين الواقع المعيش والإمكانيات البسيطة المتاحة والجهد المضاعف.

فاق عدد سكان المخيمات في الشمال المليوني نازح يعيشون ضمن ٢٩٣ مخيماً، من بينها ٢٨٢ عشوائياً أقيمت في أراضي زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية، وفق آخر إحصائية لفريق منسقو إستجابة سوريا.

و كحال آلاف العائلات النازحة في مخيمات شمال غرب سوريا ممن شردتهم الحرب، وسلبتهم أرزاقهم وقضت على آمالهم في العيش الكريم، ووضعتهم داخل مشاهد مأساوية تتكرر كل عام حين يرخي الطين والوحل ثقله على حياتهم، وتتأرجح خيامهم البالية في وجه السيول الجارفة والعواصف الثلجية مهددة مأواهم الأخير؛ تتدبر عائلة الصبوح أمورها استعداداً للشتاء الذي باتوا على أبوابه، بجهود ذاتية وموارد متوفرة.

أيمن الصبوح (٤٥ عاماً) نازح من قرية كفروما، ومقيم مع عائلته المؤلفة من زوجته وستة أبناء في مخيمات دير حسان الحدودية، يعيش ظروفاً غاية في السوء في ظل الفقر وانعدام فرص العمل، وهو لا يريد لتلك الظروف أن تكون مضاعفة على عائلته مع قدوم فصل الشتاء هذا العام.

واجه الصبوح سنوات هي الأصعب منذ نزوحه الأخير قبل أكثر من ثلاثة أعوام من بلدته، ذاق فيها مع عائلته مرارة البرد الشديد وقلة وسائل التدفئة، وهو ما دفعه إلى البدء بالعمل على تأمين شتاء أكثر دفئاً نوعاً ما.

اشترى الصبوح شادراً جديداً جمع ثمنه من عمله المتقطع في البناء، ليستبدله بشادر خيمته المهترئ، ويأمل أن يمنع تسرب مياه الأمطار وسقوطها فوق رؤوسهم: "سرعان ما تهترئ أسقف الخيام المصنوعة من القماش بفعل عوامل الطقس والحرارة والرياح، تحتاج إلى تغيير كل عام، كما أن أطراف الخيام بحاجة إلى التثقيل لمنع اقتلاعها، كما حدث معنا في العام السابق".

تعلم الصبوح "الدرس" بعد أن دفع الثمن من استقراره وأمانه على حياته وممتلكاته البسيطة في الخيمة، لذلك لن ينسى في حياته كلها تلك الليلة "السوداء" حين تعرض المخيم لعاصفة مطرية اقتلعت خيمتهم، وعرضت عائلته للتشرد في تلك الليلة العاصفة، وتركت مقتنياتهم تغوص في الوحل، وأتلفت جميع المؤن والأمتعة. "ليلة كاملة في العراء وسط عويل المسنين وبكاء الأطفال".

حسب بيان نشره فريق منسقو إستجابة سوريا في الشتاء الماضي، فإن أكثر من ١٤٥ مخيماً تضررت نتيجة الأمطار الكثيفة وانقطاع العديد من الطرقات المؤدية إلى بعض المخيمات، وبلغ عدد الخيام المتضررة بشكل كلي ٢٧٨ خيمة، و٥١٣ خيمة بشكل جزئي، إضافة إلى أضرار واسعة في الطرقات تجاوزت ٨ كيلومترات ضمن المخيمات ومحيطها.

في وقت مبكر من هذا العام، عمل النصوح جاهداً على رصف الحجارة والحصى على أطراف قماش الخيمة، وحاول قدر الإمكان منع وصول الوحل إلى خيمته من خلال فرش الأرض المحيطة حولها بالحصى التي جمعها من المناطق الجبلية القريبة.

أما زوجته صبحية البرغل (٣٨عاماً) فثابرت على الخروج بصحبة اثنين من أبنائها، حيان (١٥ عاماً)، وأحمد (١٣ عاماً) يومياً باتجاه الأراضي الزراعية والحقول والأحراش المجاورة لجمع ما يمكن جمعه من أحطاب وأعواد ومواد قابلة للحرق، لعدم قدرتهم على تأمين مواد التدفئة التي ارتفع سعرها أضعافاً مضاعفة هذا العام.

وصل سعر طن الحطب إلى ١٥٠ دولاراً أمريكياً، والبيرين كذلك الأمر، وارتفعت أسعار جميع أنواع المحروقات بما فيها المازوت والكاز والبنزين. "لم نعد نحن الفقراء قادرين حتى على تأمين قوت يومنا، فمن أين لنا تأمين مواد التدفئة" تتساءل صبحية.

ما تحضره صبحية مع أبنائها بشكل يومي تجمعه في خيمة صغيرة مجاورة لخيمتها لتخزينه ومنع تعرضه للأمطار والاستعانة به في أيام الشتاء القاسية.

كما عمدت صنع موقد طيني بالقرب من خيمتها أيضاً، وسقفته ببعض العوازل البلاستيكية، لتجعل منه مطبخها الذي تعد فيه الطعام لعائلتها لعدم قدرتهم على تأمين أسطوانة الغاز الخاصة بالطبخ وقد وصل سعرها إلى ١١٣ ليرة تركية مؤخراً.

"كثيراً ما نستعين بالمدفأة التي تعمل على ما قمنا بجمعه من أعواد ونفايات وأكياس النايلون وأحذية مهترئة، في إعداد الطعام وتسخين المياه واستخدامها في الغسيل والاستحمام".