امتحانات طلاب دير الزور

 مدرسة في دير الزور | عدسة كرم | خاص عين المدينة

تحت قذائف الدبابات قدَّمَ طلبة دير الزور امتحاناتهم السنة الماضية
بعضهم أكمل امتحانه إلى النهاية، وبعضهم نزح مع عائلته، واستشهد البعض الآخر..

2مدارس-دير-الزور

كانت البداية حين دخلت دبابات الأسد إلى شوارعنا وأحيائنا لأول مرة.

كانت تتحرك بثقلٍ، مثيرةً حولها ضجيجاً ينشر الفوضى والصخب في الجو.
كثيراً ما توقفت أمام منزلنا، ساعاتٍ طويلة، تقذف الأحياء السكنية الأخرى بالموت.
أبواب منازلنا، نوافذنا، تخلّعت.
جدراننا تشققت. وأرصفة بيوتنا تكسّرت.
كنا نتكوّم في زاويةٍ قريبةٍ من الحمامات كتلةً واحدة.
نحتضن بعضنا وننتظر... تقفز قلوبنا مع كل قذيفةٍ تخرج من فوهة الدبابة.
لتصبّ هناك في الطرف الآخر، وتقتل ما تقتل من الآمنين.
الدعاء الذي تلهج به ألسنتنا وقلوبنا، لم ينقطع.
فالداخل مولود والخارج مفقود.
ومن خرج من الحيّ قبل دخول الدبابات لا يعود إلا بخروجها. وقد تطيل المكوث، فالساحة، كل الساحة، لها.
وكان امتحان الثانوية العامة في العام المنصرم.
كنت أخرج صباحاً مع ابنتي لتقدّم امتحانها في المركز القريب من منزلنا
تحت وابل الرصاص.....
نتجمّع، نحن أهالي الطالبات، عند باب المدرسة، منتظرين أن ينتهين لنعود بهن... تحت الخطر والموت.
اشتدّت الحملة فجأةً بعد تفجير سيارةٍ في منطقة قريبة، فجنّ جنون النظام أكثر، وتجولت الدبابات مسعورةً تقصف عشوائياً....
في اليوم الذي كان فيه امتحان اللغة العربية لطلبة الثانوية.
هرعنا خوفاً إلى داخل المدرسة، إذ توجهت الدبابات باتجاهنا وراحت تصب وابل قذائفها... وقعت امرأة في بركة دماء.
وأصيب رجلٌ في كتفه.
صعدنا إلى قاعات الامتحان، حيث كانت الطالبات تفترشن الأرض في البهو خارج قاعاتهن انبطاحاً.
امتزج حبرهنَّ بالدموع...
لمحت ابنتي.... ركضت نحوها... رفعت رأسها.. كانت الدموع تتحجر في مقلتيها.
نظرت إليّ.
مددتُ يدي أن هيّا.
ـ إمي لسه ما خلّصت..!
ـ أخوتك هناك... هيا قبل أن تصل إليهم الدبابات.
لم ينكسر إلحاحي أمام دموعها الراجية.
وقفتْ.. أغلقتْ دفترها.. ناولته للمراقب... وخرجنا. انطلقنا جرياً.
لكن وابل الرصاص اشتد أكثر..
أوينا إلى أحد مداخل البيوت لنحتمي من الرصاص.
وكان انتظارنا طويلاً.
ساعاتٌ ثقيلة.. وحلّ الظلام.
أخيراً ارتفعت قرقعة الدبابات وضجيجها.. كانت في طريق العودة.
تسللنا بحذرٍ وخوف.
حين وصلنا كان منزلنا بلا باب... والسقف القرميدي في وجيبة الدار
لم يعد موجوداً.
فقط رائحة كوتشوك ولحمٍ مشويٍ وبقايا زيلٍ محترقٍ عند مدخل البيت.
ولجت المنزل.. الكهرباء مقطوعة.
في زاوية إحدى الغرف...
كتلة من الأجساد.. متكومين على بعضهم.. بعيونٍ تلتمع..
وثيابٍ مبللــــة....