الطلاقيات ممرات الموت والنجاة

عدسة كرم | خاص عين المدينة | دير الزور

صورة من حرب الشوارع في دير الزور
الطلاقيـــات ممرات الموت والنجاة... ونافذة لاصطـياد القاتل

 

الطلاقية هي فتحة يحدثها المقاتلون في الجدران، للمراقبة وقنص الجنود الأعداء. تتسع أحياناً لتغدو ممراً آمناً بين البيوت.

إنها حرب المدن، في أكثر صورها ضراوة وقسوة. لا يرحم أحدٌ من المتقاتلين خصمه، فالرحمة تعني الموت. هنا في دير الزور، وعلى جبهاتها المشتعلة في أحيائها، وفي أجواء خطرة تفوق بإثارتها خيالات صناع الأفلام، تدخل عين المدينة لتجرب النظر من خلال الطلاقيات كما يفعل القناصة الأحرار. غير أن بضع دقائق للاطلاع وتلبية الفضول، لا تعني شيئاً أمام ساعات الرباط الطويلة التي يناوب فيها مقاتلو الجيش الحر واصلين الليل بالنهار، لحراسة جبهتهم وصد هجمات عدوهم واصطياده وبرصاصة واحدة، يحرصون كل الحرص أن تكون قاتلة، فهناك حكمة حربية يتداولها ثوار دير الزور في تكيفهم مع قلة الذخيرة، وهي: "رصاصة لا تقتل،،،، لا تطلقها". ويعلق مقاتل جريح من الكتيبة الخضراء، التي تعمل في حي الصناعة في الجزء الشرقي من المدينة: "نقاتل جنود الأسد هنا في حي الصناعة منذ شهرين، وسنظل نقاتلهم ولو بعكازاتنا".

 

عدوّنا البعوض وليس جنود الأسد

"قيصر" مقاتل آخر، يصف جبهة الصناعة بأنها جبهة جهنمية "لا يثبت فيها إلا الرجال.. الرجال". ويلخص مجريات يومٍ من يومياته مع الطلاقية بالقول: "أخرج مع مجموعتي ونمضي إلى القطاع الذي نرابط فيه.. أحمل سلاحي وباكية حمراء وإبريق شاي لأستلم نوبتي على الطلاقية في الثانية عشرة ليلاً.

وأشعل سيجارتي الأولى، ولا تمضي اثنتا عشرة ساعة إلا وأكون قد قضيت على الباكية. وكم أكون سعيداً حين ينتهي يومي وأكون قد قضيت على واحدٍ من جنود الأسد. أتسلى خلال هذا الوقت الطويل بالتدخين، وشرب الشاي، والاستمتاع باستغاثات أعدائنا حين نضيق عليهم الخناق". ويستدرك المقاتل المرح ضاحكاً.. "إلا أن عدونا الأكبر في جبهة الصناعة ليس هؤلاء العبيد، إنما البعوض والحشرات المختلفة التي تجد في بعض الجثث التي يصعب انتشالها من الطرفين عالماً مثالياً لها، وتتسلى بنا طوال الوقت، ويمكن تمييز مقاتلي جبهة الصناعة عن سواهم بآثار لسعات الحشرات على وجوههم وأيديهم". وتتيح الأيام الكثيرة من المراقبة والاحتكاك الدامي بين الطرفين أن يتعرف كلٌ منهما على الآخر بالاسم واللقب. وربما يستهزئ أحدهما بالآخر لمجرد التسلية، ويذكر قيصر الضاحك دوماً حكاية يراها المقاتل في حرب المدن العنيفة طريفة، فقد كان ذات مرة يرابط ناعساً على طلاقيته، في أحد الأبنية المواجهة لبناءٍ يتمركز فيه أعداؤه، وإذ به يسمع فجأة ضربة هائلة على باب البناء الحديدي، فهرع إلى الشارع ليرى جندياً أسدياً يركض حافياً وضاحكاً بعد أن مازح قيصر هذه المزحة المسالمة التي أضحكته هو الآخر، ومنعته  من إطلاق النار على خصمه المغامر و المرح.

 

أسرع فالموت أسرع

"قد أكون قريباً جداً من العدو، يفصلنا عن بعضنا جدارٌ واحدٌ فقط. أسمعهم يصرخون بهستيريا، وقد يغنّون، وقد يجدفون بالله. وندخل كلانا في مبارزة أو سباق سرعة في فتح الطلاقية. أنا أحفر في الحائط لإحداث فتحة في الجدار، وعدوّي كذلك. ومن يُكمل طلاقيته أولاً يلقي بقنبلتهِ فوراً ليردي خصمه... قتيلاً أو شهيداً".هكذا يصف محمد، وهو مقاتل آخر في جبهة حي الموظفين جنوب المدينة، أوقات الخطر في سباق السرعة الرهيب ضد الموت.
في دير الزور، يستطيع العابر أن يتحرك، ولمسافات طويلة، عبر الطلاقيات، دون أن يمر بالشارع، من بيت إلى بيت، في ممر آمن من رصاص العدو، حيث يمكن لقناص واحد أن يفرض حظر تجول على عدة شوارع في آن واحد، إنها الطلاقية ذات الاستخدام المتعدد في أغراضٍ شتى ابتداءً بقتل الأعداء وانتهاءً بإسعاف الجرحى.