الخطف والسرقة.. شبح ما زال يلاحق أهالي إدلب ناشطون: (جهاديون مفلسون واحتطاب) وبلاغات دون جدوى

ساحة الساعة في مدينة إدلب - رويترز

تشهد مناطق الشمال السوري عامة ومنطقة إدلب وريفها خاصة، حالة من الفوضى والفلتان الأمني، رغم ما توحي به قبضة "الهيئة" الأمنية المشددة على المدنيين والناشطين والصحفيين، ما أدى إلى ازدياد جرائم الخطف والقتل والسرقة من قبل عصابات مسلحة صارت تتعامل مع الأمر كمهنة للحصول على المال، وتحت ذرائع متعددة، منها "الاحتطاب" الذي تمارسه جماعات محسوبة على "الهيئة"، دون رادع أمني أو أي حالة احترازية من قبل "حكومة الإنقاذ" التابعة لـهيئة تحرير الشامالمسيطرة على كافة الجوانب الإدارية والعسكرية والأمنية والخدمية في المدينة.

شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة عدة حالات خطف أطفال ونساء وشخصيات تعد من الأثرياء، بالإضافة إلى أطباء وصيادلة وعاملين في المجال الإنساني، وأغلب عمليات الخطف تلك كانت بهدف الابتزاز المالي والحصول على فدية بمبالغ ضخمة، وفي بعض الحالات لا يستطيع ذوو المختطف دفعها، فتنتهي العملية بقتل المختطف والتمثيل بجثته.

عبد القادر الأصفر (٦٠عاماً من جبل الزاوية يعمل تاجر حبوب)، لم يشفع له كبر سنه في تعذيبه بعد أن خطفته عصابة مسلحة، طالب أعضاؤها ذويه بدفع فدية قدرها ٥٠ ألف دولار، بعد أن أرسلوا مقطع فيديو يتكلم فيه الأصفر وقد غطت الدماء وجهه من شدة التعذيب، للضغط عليهم لدفع المبلغ المذكور؛ واستغرق الأمر مفاوضات طويلة حتى إطلاق سراحه، بعد أن دفع أبناؤه مبلغ ٣٠ ألف دولار.

يروي الأصفر لـعين المدينةأن الخاطفين وضعوه في مكان مظلم، ومارسوا عليه جميع أنواع التعذيب الوحشية المتنافية مع جميع القيم الإنسانية، منها "قلع الأظافر والضرب المبرح والجَلد وشد الشعر".

الأصفر يبدي تذمره من الانفلات الأمني الرهيب والمتصاعد في المنطقة، وقد قرر التوقف عن العمل وبيع كل ما يملكه من عقارات وأراضي استعداداً للسفر خارج سوريا، وعن ذلك يقول: "انتشار هذه العصابات أثّر سلبياً على الحركة التجارية في المنطقة، وأنا على ثقة بأن جميع التجار سيغلقون محالهم ومصانعهم قريباً في حال استمرت هذه الفوضى".

 وكانت عصابات الخطف بداية تستهدف الأطباء والكوادر الطبية بالدرجة الأولى، كونهم من الطبقة الميسورة قياساً ببقية الأهالي، وقادرين على دفع مبالغ ضخمة، كما حدث مع الدكتور محمود مطلق طبيب النسائية الذي دفع ذووه ١٢٠ ألف دولار مقابل إطلاق سراحه، وكذلك الدكتور خليل آغا مدير صحة ريف اللاذقية الذي دفع ذووه ١٠٠ ألف دولار؛ الأمر الذي دفع العديد من الأطباء والصيادلة إلى ترك البلد والهجرة خوفاً على أنفسهم وعائلاتهم من حوادث مشابهة، في ظل حاجة البلد الماسة لتلك الكوادر.

لم تسلم النساء أيضاً من عمليات الخطف، ففي آب ٢٠٢٠ أفادت مصادر محلية في مدينة الدانا عن اختطاف فتاتين على الطريق الرئيسي بين الدانا ودير حسان، دون ورود أنباء عن سبب الخطف حتى هذه اللحظة.

ومع بداية العام الحالي شهدت محافظة إدلب زيادة ملحوظة في جرائم القتل، بعضها كانت لغايات انتقامية من أصحابها، وبعضها  الآخر لأسباب تافهة أو خلافات بسيطة بين القاتل والمقتول.

ولعل أبرز هذه الجرائم كان قيام مجموعة مسلحة قبل عدة أسابيع بخطف وزير التعليم العالي في حكومة الإنقاذ (فايز الخليف) ومن ثم قتله. وقد أعلن الجهاز الأمني العام فيهيئة تحرير الشامبعد أيام من الحادثة القبض على العصابة.

وفي أيار الفائت قتل رجل وزوجته في بلدة الفوعة شمال إدلب، بعد اقتحام منزلهما من قبل أحد الجيران، الذي أخذ يطلق الرصاص على كل ما تراه عينه، وذلك إثر خلاف مع زوجته التي لجأت إلى منزل جيرانها. كما أسفر إطلاق الرصاص عن إصابة عدد من الأطفال، إضافة إلى إصابة زوجة القاتل بجروح خطيرة، بحسب مصادر محلية.

وكان قد سبقت هذه الحادثة جريمة قتل مشابهة في نيسان الماضي، حين أدى خلاف بين عائلتين في قرية بسامس إلى مقتل مدنيين اثنين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح.

كل ذلك بالتزامن مع انتشار عمليات السرقة بشكل كبير، خاصة سرقة السيارات والدراجات النارية، وهو ما حدث مع الأربعيني سليم القاسم النازح من ريف إدلب الجنوبي ومقيم في معرة مصرين، حيث سرقت سيارته من أمام منزله. يقول: "استيقظت صباحاً لأتفاجأ باختفاء سيارتي مصدر رزقي الوحيد، ولا أملك في ظل هذه الظروف الأمنية السيئة ولو بصيص أمل باستعادتها". ويرى القاسم أن التوجه إلى الجهات الأمنية لتقديم شكوى لا يقدم ولا يؤخر، فهناك الكثيرون ممن تعرضوا للسرقة كانوا توجهوا إلى مخفر الشرطة وقدموا شكاوى، دون جدوى.

أدى تردي الوضع الأمني هذا إلى خوف المدنيين وتذمرهم من تزايد هذه العمليات، كما أدى إلى شيوع حالة من الاستهجان الشعبي لعدم قدرة الفصائل المسيطرة على ضبط الأوضاع الأمنية في المنطقة.

أبو حسام (٥٠ عاماً من بلدة كللي) يرى أن سبب انتشار الجرائم الكبير يعود لكثرة الحواجز بدون فائدة، واقتصار مهمتها على "فرض الأتاوات" والرسوم دون تدقيق أمني، فضلاً عن انتشار السلاح بيد "عامة الشعب".

كما انتقد ناشطون هذه الفوضى الأمنية التي تعم المناطق المحررة، وطالبوا بخطوات ملموسة وحقيقية لوقف مثل هذه الانتهاكات والجرائم التي رأى بعضهم أن من يقف وراءها خلايا تتبع للنظام السوري وتنظيم ”الدولة الإسلامية“، بهدف "زعزعة استقرار الأمن في المنطقة وزرع الفتنة" بين الفصائل، بينما يذهب آخرون ومنهم الناشط الحقوقي غيث (اسم مستعار) من مدينة إدلب رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، بأن أصابع الاتهام تشير إلى فصائل عسكرية معينة لكونها تسيطر على كامل المنطقة، واستحالة خروج الخاطفين من تلك المناطق لانتشار الحواجز الأمنية التابعة لهذه الفصائل في محيطها، فضلاً عن أن معظم هذه العمليات تجري في العلن وفي وضح النهار، وعن ذلك يقول: "هناك مجموعات محسوبة على فصائل مثل الهيئة، اتخذت من عمليات الخطف والسرقة باب رزق لها في ظل هدوء الجبهات وتراجع الدعم المقدم لها". وتدخل هذه العمليات وغيرها من العمليات المشابهة في خانة (الاحتطاب) المصطلح الذي يتداوله السكان في المنطقة لوصفها، وهو أحد وسائل ومصادر التمويل التي تعتمدها بعض "الجماعات الجهادية" لتبرير عمليات سلب ونهب تقوم بها لتمويل نشاطاتها. ولفت الحقوقي إلى أن هناك عدة حوادث تشير إلى تورط الهيئة في مثل هذه العمليات، منها حادثة خطف حميد بزارة ( ١٥ عاماً) منذ سنتين في قرية كورين جنوب إدلب، إذ نجح الطفل بالهرب من خاطفيه برفقة مختطف آخر (أنور البكور)، ومكنت معرفتهما بمقر الخاطفين من مداهمة المكان من قبل شباب البلدة، حيث ألقوا القبض على عناصر من ”هيئة تحرير الشام“ يحملون الجنسية الأوزبكية، ويقومون بأعمال الخطف مقابل طلب الفدية.