التداوي في دمشق: بالأعشاب والصيدلاني طبيب مجاني .. حيل الفقراء والموظفين للحصول على طبابة غير مكلفة

محل لبيع الأعشاب في دمشق القديمة ـ رويترز

تضع عائشة (ربة منزل من دمشق) كمية من النعنع الأخضر في كوب من الماء المغلي لعلاج حالة المغص في البطن التي انتابت طفلها. وعلى الرغم من كون هذا المشروب التقليدي يوفر حلاً مؤقتاً، فإن عائشة اعتادت على استعماله كبديل عن دواء المغص منذ أشهر طويلة.

وتوضح عائشة التي تمثل شريحة واسعة من سكان العاصمة المحرومين من الرعاية الصحية العامة بسبب رداءتها والخاصة بسبب ارتفاع أكلافها، أن استخدام الأعشاب على الرغم من كونه تقليداً قديماً، لكنه أضحى ظاهرة منتشرة في دمشق بسبب الفقر وارتفاع ثمن الدواء والفواتير الباهظة للعيادات والمشافي الخاصة.

المشافي الخاصة.. الفاتورة ورطة

باع أبو كمال وهو مزارع من ريف دمشق قطعة أرض يمتلكها لسداد أكلاف استقبال والده المصاب بفيروس "كوفيد-19" داخل إحدى المشافي الخاصة، حيث دفع مليون ليرة عن كل ليلة من الليالي السبع التي قضاها والده، قبل أن يفارق الحياة.

ولأن المشافي العامة مكتظة بمرضى الكورونا، فقد وجد أبو كمال نفسه مضطراً إلى دخول المشافي الخاصة التي تتميز بأكلافها الباهظة، عدا عن أن الخدمة في المشافي العامة "شبه معدومة، ويمتلئ المكان بالأوساخ مع عناية صحية أقرب إلى التسول" بحسب ما يوضح خلال حديث لعين المدينة.

يقدم أبو كمال أرقاماً صادمة حول كلفة دخول المشافي والعيادات الخاصة، إذ تبلغ كلفة أرخص عملية جراحية ربع مليون ليرة، وأوفر جلسة عند طبيب الأسنان لا تقل عن 20 ألف ليرة، والمعاينة عند باقي الأطباء تبدأ من 15 ألف ليرة وحتى 50 ألفاً، وهو ما يجعل هذه الخدمات خارج المتناول، لذلك "يتوجب على أي مريض حين يضطر لدخول مشفى أو زيارة طبيب وضع حبة تحت اللسان، قبل دفع المال". يعلق أبو كمال بسخرية بالغة.

دكتور في صيدلية 

مثل أبو كمال وعائشة وآلاف آخرين، لا يذهب الموظف محمود الذي يقيم وسط العاصمة إلى الطبيب إلا في الأوقات الأكثر حرجاً. وهو يفضل زيارة صيدلية قريبة من بيته في حي المهاجرين والحصول على استشارة مجانية عوضاً عن دفع ربع أو نصف راتبه الشهري لقاء معاينة يمكن الحصول عليها عند جاره الصيدلاني.

يشير محمود إلى أن الصيدلاني غدا بمثابة "طبيب الفقراء"، مؤكداً أن "أطباء كثيرين يشكون من فراغ عياداتهم من المرضى، بينما تزدحم الصيدليات بالزبائن الذين لا يمتلكون أجرة المعاينة".

وفقاً لمحمود، يشخص صيادلة دمشق معظم الأمراض غير المزمنة ويصفون لها الأدوية، بل ويتفاوضون مع المريض حول الدواء الأقل سعراً، كما يمتنع مئات المرضى عن زيارة الأطباء مكتفين ببعض الأدوية التي يشترونها من الصيدلية "حتى مرضى الضغط والسكري والشقيقة وعلى رأسهم المرضى المشكوك بإصابتهم بكورونا، يستشيرون الصيادلة باستمرار".

أعشاب سحرية

على الرغم من فراغ صيدليتها المنزلية من معظم الأدوية باستثناء بضع حبات من ال"سيتامول"، تحرص سوزان وهي ربة منزل تقيم بريف دمشق، بشكل دائم على امتلاك قرابة 10 أعشاب مجففة متنوعة، كونها تستعمل الأعشاب في علاج معظم الأمراض الطارئة، فهي تستخدم الثوم على الريق كمضاد حيوي، والزنجبيل والقرفة لنزلات البرد، والنعنع لألم المعدة، بينما تستعمل خلطات عديدة اشترتها من متاجر العطارين لعلاج رمل الكلى، القولون العصبي، ألم المفاصل، وحتى القرحة الهضمية.
 
يعد التداوي بالأعشاب أكثر أمناً -بحسب سوزان- وأرخص ثمناً، كما يتميز بعدم اعتماد العلاج به على زيارة الطبيب، ومن خلال شرب شاي الأعشاب أو تناوله مع الطعام توفر سوزان مبالغ مالية كبيرة كان يتوجب عليها صرفها عند الطبيب أو الصيدلاني.

طبيب الأسنان.. حكاية أخرى

إذا كانت الأعشاب توفر حلاً مؤقتاً، وزيارة الصيدلية تؤمن استشارة مجانية، فإن طبيب الأسنان يظل الملجأ الإجباري للمرضى، بوصفه المخلص الوحيد من آلام الأضراس الرهيبة. لكن فاتورته باهظة أيضاً.

يخشى سليمان، العامل في متجر للغذائيات وسط دمشق، من بقع التسوس السوداء على أسنانه، والتي تنتشر بسرعة، ما سيحتم عليه أخيراً زيارة طبيب الأسنان ك"خضوع للأمر الواقع". ولأن كلفة تنظيف الضرس وحشوه تعادل راتبه لثلاثة أشهر، فقد وضع سليمان خطة لمواجهة أي ألم في المستقبل تتمثل ب"قلع الضرس نهائياً لحل المشكلة بشكل جذري بأرخص كلفة ممكنة".

تبلغ كلفة قلع الضرس 25 ألف ليرة، بينما لا يقل التنظيف والحشو عن 200 ألف ليرة للضرس الواحد. أما باقي الخدمات التي يقدمها الأطباء من تبييض وزراعة وتركيب أطقم جاهزة، فتستهلك كل خدمة رواتب 4 وحتى 10 موظفين معاً، وقد لا تكفي.