الاحتكار في مناطق قسد.. حرب من نوع آخر

AFP

بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار ُفقد الأسمنت في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"، وارتفعت أسعاره ضعفين إن وجد، ما أثار شكاوى المدنيين هناك، حيث من المعروف أن الإسمنت يأتي بكثرة، سواء من معمل الإسمنت في ريف الرقة، أو من مناطق سيطرة النظام، أو من مناطق "درع الفرات".

فقدان الإسمنت بهذا الشكل جعل من أحمد العلي (35 عاماً) يبحث في أسواق مدينة الطبقة عن عدة أكياس منه ليكمل بناء منزله الذي يشيده، لكنه دون جدوى ينتقل من محل إلى آخر والكل يشكو من انقطاعه؛ يوجهونه إلى الرقة ومنبج لاستجلابه.. يتحدث عبر الهاتف مع صديقه في منبج فيؤكد له فقدانه وارتفاع سعره، كذلك في الرقة ذات الأمر، فالإسمنت مفقود وأسعاره "صارت بالريح" كما يصفها.

ارتفع سعر الكيس الواحد من الأسمنت من سعر 2400 ليرة سورية (أي ما يعادل 6 دولار) إلى 5500 ليرة سورية (نحو 10 دولار) مع فقدانه بكافة الأسواق المحلية، ما عدا أسواق مدينة عين العرب "كوباني" والقامشلي، أما في الرقة ومنبج والطبقة وبقية المدن والقرى فهو مختفٍ تماماً، بحسب ما يؤكد العلي. ويقول في حديثه لـعين المدينة إن "عملية اختفاء الإسمنت بهذه الطريقة غريبة جداً، رغم كثرته في السابق.. لا أعتقد سبب الاختفاء قلة التصنيع أو الاستيراد، فكلنا نعرف أن كميات هائلة تصل بشكل يومي من كل مكان".

ويضيف العلي "خلال بحثي عن الإسمنت صادفت مسؤولي الخدمات التابعين لقسد في الطبقة، وتحدثنا عن أسباب انقطاع وغلاء الإسمنت، فأرشدني أحدهم إلى إحدى مؤسساتهم حيث يباع بسعر مخفّض نسبياً، بشرط أن أجلب لهم ترخيص ما". ويرى العلي أنها عملية احتكار جديدة للمواد الأولية على غرار احتكار النفط، الذي تقدمه سلطات قسد و"الإدارة الذاتية" بشكل شحيح جداً للناس، وعلى غرار مادة الخبز التي يمنعون تصنيعها سوى في أفرانهم، "لنعترف أنها عملية احتكار واضحة للاستمرار بإخضاع المنطقة".

وفي البحث قليلاً عن المصادر الأساسية لاستيراد الإسمنت، فهناك مصدران أساسيان هما معمل لافارج ومناطق درع الفرات في ريف حلب الشمالي حيث يدخل الإسمنت من تركيا، ويأتي القليل منه من مناطق سيطرة النظام. ومن خلال تتبع أحد المصدرين (مناطق درع الفرات) يتضح بشكل جلي احتكار هذه المادة منذ لحظة استيرادها من تركيا، إذ يشرح مصدر فضل عدم ذكر اسمه لعين المدينة، أن عملية بيع الأسمنت لمناطق قسد كانت ممنوعة بشكل كامل، إلا أنها تتم عبر التهريب، ويستحوذ أحد التجار على عملية تهريبها، وعندما تصل يستقبلها تجار مقربون من قسد، وعبر احتكار استيرادها وبيعها يتحكم أولئك التجار بأسعارها في السوق. ويوضح المصدر أن كميات الإسمنت التي تدخل من درع الفرات إلى مناطق قسد بشكل يومي تبلغ نحو 70 طن، تدخل من معبر الحمران، ويتم تفريغها على الفور بالقرب من منبج بمخازن تتبع للتجار.

 ومع ارتفاع أسعار الإسمنت وفقدانه، بدأت قسد عبر مكاتب الخدمات التابعة لها ببيعه في مراكز خاصة تابعة لها بأسعار أقل من السوق، بشرط امتلاك المشتري رخصة للبناء أو ورقة رسمية تفسر أي سبب آخر يشتري من أجله الإسمنت، والتي بدورها تحتاج لمبلغ مالي، وهذا كله يأتي ضمن السياسة التي تتبعها قسد للسيطرة على كل ما يتعلق بالمدنيين الذين يقعون تحت سلطتها، كما يحلل كثر يرون أن الأمر لا يتعلق فقط باحتكار المواد الأساسية، بل بالتجارة بشكل عام، حيث يُعتبر النافذون في قسد هم أصحاب الأمر والنهي في شؤون الأسواق والتجارة، ويجب أن تمر كل عمليات التجارة الكبرى في المنطقة من تحت أعينهم، إن لم يكونوا شركاء فيها.

يتحدث محمد الحسن أحد تجار منبج، عن منع سلطات قسد استيراد العديد من المواد الغذائية من درع الفرات، وفرض ضريبة 5% على كل البضائع التركية التي يستقدمها التجار، ويرى أن هذه الضرائب ليس لها أي معنى أو هدف سوى بعدها السياسي، وتعود لخزينة قسد في النهاية، لأنه في المقابل "تدخل المواد من مناطق النظام بدون أي ضرائب". ويضيف "اضطر أنا وغيري للتعامل مع تاجر كردي، وآسف لذكري هذا التوصيف لكن هذه هي الحقيقة، لأنه إن لم تكن على علاقة بتاجر كردي صاحب نفوذ فإن عملية التجارة ستكون صعبة وباهظة، لذلك عليك أن تقاسم مرابحك ليس فقط مع قسد بل ومع تجارها".