اتساع الاحتجاجات بالتوازي مع الإشادة بالاغتيالات.. و"الإخوان" تتنصل (4) من (7)

مع مطالع عام 1977، كانت أخبار المواجهات المسلحة بين الإسلاميين والسلطة تستحوذ على اهتمام الشارع السوري، الذي كان يتابع المشهد بالكثير من الترقُّب والخوف، وهو يستعرض الملصقات التي تملأ شوارع العاصمة دمشق، تحمل معلومات شبه يومية عن ضحايا الاغتيالات ومعلومات عن المتهمين والجهات التي تقف وراءهم.

شخصيات بارزة في السلطة، ومن الطائفة العلوية، سقطت في تلك الأحداث. وكانت الشائعات تتحدث عن قائمة سوداء وضعها إسلاميون للثأر لمقتل أبرز القادة (مروان حديد) في زنزانته، وبعد سلسلة من حوادث التعذيب المُميت التي ما فتئت تتكرر منذ العام 1973، وتنتهي بتسليم جثث الضحايا إلى ذويهم.

على امتداد الأعوام من 1976 وحتى 1980 حدثت عشرات الاغتيالات والتفجيرات التي استهدفت مراكز الحزب ومبنى مجلس الشعب ومقر الجبهة الوطنية، ومباني صحف (تشرين، البعث والثورة) وغيرها من مؤسسات السلطة. شملت العمليات مهاجمة الدوريات والحواجز التي يُقيمها النظام. وبالتوازي، كانت المنشورات والقصاصات الورقية تُوزع بين الفينة والأخرى، تحمل شعارات وعبارات مختلفة من بينها عبارة "نعم للحرية، نعم للديمقراطية، نعم لوحدة الشعب، لا للخيانة، لا للعمالة، لا لحافظ أسد"، ولم تحمل أي إشارة إلى الإسلام أو الإسلاميين.

كثيرون أبدوا سرورهم وبهجتهم بما يحدث، ولو ضمناً، وكثيرون اعتبروها بداية لـ"كسر حاجز الخوف الذي سيطر على الناس لسنوات"، بينما رأى فيها قادةٌ معارضون "تعبيراً وحيداً عن سخط الشعب على هذا النظام".

ميشيل سورا الصحفي والأنثربولوجي الفرنسي الذي عاصر الأحداث، وكتب عنها الكثير، قال: "جميع قادة التكتلات السياسية الذين قابلناهم وتحاورنا معهم يعترفون للإخوان المسلمين بفضلهم الكبير في أنهم أول من كسر جدار الخوف وأخرج المجتمع من سباته".

لقد أسهمت العمليات المتواصلة ضد السلطة في كسر حاجز الخوف فعلاً، وتشجيع الناس على الخروج في احتجاجات علنيَّة، بعد أن ظلت لسنوات في حالة من الهدوء والخمول، انكمشت خلالها الأحزاب على نفسها نتيجة الرعب والخوف الشديد من بطش السلطة. ومع تصاعد الأحداث عام 1979، اندفع الناس أكثر فأكثر للخروج في تظاهرات علنية جارفة تحتجُّ على ممارسات السلطة وسياساتها، ولم تمضِ سوى أشهر حتى عمّت التظاهرات سائر أنحاء سوريا.

كانت النقابات المهنية هي التي تقود التظاهرات وتُصدر البيانات، وتتولى المواجهة السياسية مع السلطة، بينما لم تظهر الأحزاب في الواجهة، بما في ذلك الإخوان الذين اكتفوا بإصدار البيانات عن طريق نشرتهم (النذير)، لا سيما منذ العام 1979.

الزعيم البعثي السابق صلاح الدين البيطار، كتب في مقال له عشية اغتياله في منفاه بباريس منتصف العام 1980، قائلاً: "في أوج الإرهاب الذي فرضه النظام السوري وطابعه الطائفي الكريه، وفي أوج الرعب الذي سيطر على البلاد بنتيجة إحكام العزل السياسي على الشعب، ظهر العنف الإسلامي الشعبي كرد على العنف (الثوري) ذي الطابع الطائفي. وكانت عمليات الاغتيال السياسي كتعبير وحيد عن سخط الشعب على هذا النظام، وعلى كسر حاجز الخوف الذي كان مسيطراً عليه".

وأما عصام العطار، الزعيم الإخواني الذي يعيش في المنفى منذ عام 1964، فقد نفى الاتهامات الموجهة للإخوان في حادثة مدرسة المدفعية، وحوادث الاغتيال، ووصفها بأنها باطلة وعارية عن الصحة، لكنه لم ينسَ الإشادة بأولئك المقاتلين "الشجعان" الذين أقضّوا مضاجع السلطة، قائلاً: "مرت سبعة عشر عاماً لم يلمح الشعب أدنى بارقة أمل لمقاومة هذا النظام. وها هو فجأة يستيقظ على صوت الرصاص، رصاص من ثاروا على الطغيان، فبدأ الناس يتساءلون مستغربين "من هم هؤلاء الشجعان؟".

وهكذا اتسع نطاق التظاهرات والاحتجاجات لتعمَّ كل المدن السورية، وتنتشر في الأرياف المجاورة في وسط وشمال البلاد، لا سيما حول إدلب وحلب وحماة، كما شهدت ديرالزور واللاذقية وحمص ومدن أخرى مظاهرات واحتجاجات متواصلة.

يستثنى من الحالة العامة للمدن السورية طرطوس والسويداء والعاصمة دمشق التي انتشرت فيها الحواجز والدوريات الكثيفة لأجهزة المخابرات في كل مكان.

خلال أشهر قليلة وصلت الاحتجاجات إلى حد العصيان المدني الذي شمل معظم المحافظات، وبطبيعة الحال تصاعدت في الوقت نفسه وتيرة الاعتقالات، التي لم تتوقف بالأساس، ومع عام 1979 اعتُقل معظم قادة الإخوان المسلمين في كافة المحافظات، واتسعت الاعتقالات لتشمل طلاباً في الجامعات وأعضاء من النقابات والكثير من الناشطين والمتظاهرين.

 


من مواليد ديرالزور 1954، مهتم بتاريخ سوريا المعاصر والحركات الإسلامية، عضو في جماعة الإخوان المسلمين منذ 1973، عضو سابق في مجلس شورى الجماعة ومكتبها السياسي.