إعلام تنظيم الدولة
بين ترشيد المنتج وإجرام الهدف

بدا الإعلاميون الخمسة الذين ظهروا في إصدار «وحي الشيطان» دون كدماتٍ واضحة، رغم أن جميع من كانوا معهم في المعتقل أكدوا أن الضرب الذي نالوه من الأمنيين وصل إلى كسر أعضاء بعضهم. وظهر أربعةٌ منهم بلحىً خفيفةٍ، بينما ظهر الخامس -الذي عرّفه الإصدار بلسانه على أنه مبايعٌ- بلحيةٍ طويلة، رغم أن جميع من يسكن تحت سلطة التنظيم مرغمٌ على إطالة اللحية وإلا تعرّض للعقوبة.

تصلح هاتان الملاحظتان للتأكيد على أن الإعدام جرى على مراحل طويلة، امتدّت لثلاثة أشهرٍ بحسب تقديرات البعض، انتظر فيها المسؤولون عنه الكدمات حتى تلاشت، وحلقوا لحى ضحاياهم أكثر من مرّة. وكذلك فكّر آخرون في هذه المدّة بالطريقة التي سيتمّ بها إعدام الخمسة، وتصوّر إعلاميو التنظيم فكرة الإصدار والمشاهد التي سيعرضونها فيه، والطريقة التي سيتمّ بها عرض اعترافات الضحايا وقصصهم، ثم راح المصوّرون (ليسوا على اتصالٍ بالمخرجين والممنتجين، بحسب بعض من عمل معهم) يلتقطون المشاهد لصنع المادة الفيلمية، لتذهب إلى المونتاج في ما بعد، الذي بالضرورة رفض بعضها وقبل الآخر، وأعمل فيها قصاً ولصقاً، وأدمج معها الآيات القرآنية وصوت قارئ التقرير الذي أعدّه بتروٍّ وبالاستعانة بالمُراجع، او أُعدّ له، ليأتي دور المروّجين في النهاية.

توضح هذه الطريقة التي يمرّ بها الإصدار، والتي يمرّ بها أيّ فيلمٍ عاديٍّ، الطريقة المرشّدة التي يخضع لها إعلاميو التنظيم في عملهم. هذا «الترشيد الذي لا يتعامل مع الواقع بشكل ارتجالي وجزئي وانما يتعامل معه بشكل منهجي متكامل ومتسق مع مجموعة من التصورات المرجعية» هو، بحسب عبد الوهاب المسيري، «إحدى الآليات التي تمت بها علمنة الإنسان الفرد والمجتمع» في الغرب، وقد وصل إليها بالمراكمة وبمساهمات مفكريه. لكن من غير المعروف كيف وصل إلى تنظيم الدولة؛ أمِن ملاحظة إعلاميّيه وخبرة بعضهم، أم أنه فرض عليهم من الأعلى بتوجيه ونصيحة «مخرجين أجانب» يعملون معه، كما ذكرت صحفٌ غربيةٌ في وقتٍ سابق؟

وباستثناء الإصدارات الأخيرة التي يتفاعل فيها مصوّرو الحرب في العراق مع الواقع الذي يصوّرونه، لتبدو أصواتهم وتعليقاتهم في الإصدار، يقتصر عمل المصوّر في غالبية الإصدارات السابقة على تصوير أحداث المعركة، ليُقبَل جزءٌ صغيرٌ من عمله قد لا يتجاوز الثواني المعدودة، يضمّها الممنتجون إلى مقاطع أخرى كثيرة، بعد أن يعطيها المخرج الشكل النهائيّ الذي سترى فيه النور. موظِّفاً في هذا الشكل جميع ما يراه مناسباً مما وصل إليه من مشاهد، معتمداً على معرفته بالأمور التي تجذب الجمهور الشابّ، مضخّماً بعض المواضع ومغيّباً أخرى لتصبّ في الفكرة التي تبناها التنظيم لبناء شرعيته وإقناع أتباعه وخوض حربه. وتنفصل تلك الفكرة تماماً عن عمل «ماكينته الإعلامية» التي تتوزّع فيها الأدوار وتطبّق فيها الإجراءات بحرفية، ويقنع فيها الإعلاميّ بعمله الجزئيّ لخدمة هدفٍ نهائيٍّ مقبولٍ بالنسبة إليه.

يتعامل إعلاميو الثورة مع عملهم بطريقةٍ مختلفةٍ تماماً في الغالب، إذ تظهر في المقاطع التي يصوّرونها، ويرفعونها بأنفسهم كما هي على شبكة الإنترنت، مشاعرهم وأحاسيسهم وربما آراؤهم في تعاطفهم مع الضحايا وفرحتهم بانتصار الجيش الحرّ وشتمهم النظام وخوفهم من الموت. الأمور التي لا يجدها المتابع في إصدارات التنظيم، حيث تظهر على الغالب مشاعر معمّمةٌ يسلط الإصدار عليها الضوء من خلال ابتسامة مقاتلٍ أو صوتٍ يردّد «الحمد لله» عند عرض الغنائم، أو مقاطع من أناشيد التنظيم والمؤثرات الصوتية للدلالة على الحماس والإقدام. فلا يستطيع الملاحظ إلا أن يعترف بأن إعلام التنظيم يعتمد على «توظيف الوسائل بأكثر الطرق كفاءةً لخدمة الأهداف».

وبالمقابل قد يشارك بعض إعلاميّي التنظيم في تنفيذ عمليات الإعدام أو التعذيب، كما فعل أبو أنس المصري، أمير المكتب الإعلاميّ في «ولاية الخير» في حقّ الإعلاميين الخمسة لإصدار «وحي الشيطان» أثناء تعذيبهم، وكما فعل سابقاً في أحد الإصدارات بإعدام أحد أسرى جيش النظام باستعمال بومبكشن. لكن الإعلاميين بالعموم لا يشاركون سوى في تصوير الإعدامات، وهو ما شاهده الكثير من الأهالي في الساحات العامة.

يصرّح تنظيم الدولة في أدبياته بأن استيراد منتجات الغرب مسموحٌ في مجال الأسلحة والتقنيات والتكنولوجيا، لكنه ممنوعٌ في مجال الأفكار والأساليب والمعتقدات، على أن واقع التنظيم يشي بأبعد من ذلك بكثير.