أدويةٌ مستعملةٌ وأخرى منتهية الصلاحية

من الصعوبات التي واجهت السوريين مؤخراً قيام نظام الأسد برفع سعر الدواء عدّة مرّاتٍ، وصعوبة تأمينه. فقد بدأت الصيدليات تفتقر إلى أنواعٍ كثيرةٍ من الأدوية، فضلاً عن انتهاء صلاحية بعضها، أو عدم معرفة مصدر الكثير منها، أو التلاعب بمكوّناتها الفعالة بسبب غياب الرقابة، وخاصّةً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

تعاني شريحةٌ واسعةٌ في الداخل السوريّ من ارتفاع أسعار الأدوية، ونقص أنواعٍ أخرى، بسبب انهيار سعر صرف الليرة السورية، والحصار الاقتصاديّ الذي انعكس سلباً على المواطنين، ناهيك عن تدمير البنية التحتية لمصانع الأدوية من قبل قوّات النظام. كما تقوم بعض الشركات باحتكار بعض أنواع الأدوية ثم طرحها في السوق الطبيّ بأسعارٍ تكاد تكون خياليةً بالنسبة إلى السكان، ما يضطرّ بعضهم إلى اللجوء إلى الطبّ البديل الذي ليس له أيّ نفعٍ في أغلب الأحيان، سوى النفع النفسيّ الذي قد يساعد على الشفاء في بعض الأوقات.

فقد قامت حكومة بشار الأسد، في شهر آب من العام الفائت، برفع أسعار الأدوية بنسبة 50%، وفي بداية شباط من هذا العام رفعت أسعارها مرّةً أخرى بنسبة 35%، بالإضافة إلى رفع أسعار الأدوية المستوردة وفرض ضرائب إضافيةٍ على صناعة الدواء. وتحجم غالبية معامل الأدوية عن الإنتاج، وتطالب ببيع الدواء بالدولار أو برفع أسعاره عدّة أضعافٍ مرّةً أخرى، ما انعكس سلباً على توافر الأدوية في الصيدليات.

الشاب محمد، من ريف جسر الشغور في محافظة إدلب، كان أحد ضحايا النقص الحادّ للأدوية في تلك المنطقة. وعن ذلك حدثنا شقيقه أحمد قائلاً: "عانى محمد -رحمه الله- من حمىً صدريةٍ لمدة سنة. وبقي طريح الفراش طوال تلك المدّة دون أن نستطيع فعل أيّ شيءٍ له، بسبب الحصار الخانق من قبل قوّات النظام التي كانت موجودةً في حواجز معمل السكر ومنتشرةً في محيط المدينة. بعد التحرير تمكنّا من نقله إلى مشفى مدينة دركوش، ولكننا لم نجد الدواء اللازم هناك، ما اضطرّنا إلى نقله إلى مدينة الريحانية في تركيا، ولكنه فارق الحياة قبل أن تكتمل مراحل العلاج".

السيدة أمل، من سكان قلعة المضيق بريف حماة، مريضةٌ بالتهاب الكبد الوبائيّ عامل (ب). حدثتنا هي الأخرى عن معاناتها المريرة لتأمين دوائها قائلة: "كنت أذهب مطلع كلّ شهرٍ إلى دمشق لشراء الدواء الذي يستورد من الخارج، نظراً لعدم توافره في سوريا. وكان سعر علبة (زيفكس) 3000 ليرة، وتحوي 25 كبسولة. وبعد عامٍ على الثورة أصبح سعرها 4500 ليرة، وبعد 6 أشهرٍ تضاعفت الأسعار أيضاً. حتى تفاجأت بأن الدواء الذي كنت أتناوله منتهي الصلاحية بسبب سوء تخزينه. ثم لم أعد أجده في المكان الذي اعتدت أن أشتريه منه، بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا، والتي كان ضحيتها بالمرتبة الأولى الناس". وتختم حديثها قائلة عن علبة الدواء: "سعرها مرّ مثل طعمها..".

ولم يقتصر هذا الحال على المواطن، بل تعدّاه إلى المستشفيات الميدانية في المناطق المحرّرة ومثيلتها في المناطق المحاصرة، والتي باتت تعاني من النقص الحادّ في أبسط أدوية الإسعاف الأوليّ، ناهيك عن مستلزمات العمليات الدقيقة للجرحى. فعشرات المصابين والمرضى يعلو أنينهم فوق آلامهم داخل جدران غرف الإسعاف وسط عجز الكوادر الطبية عن تأمين أبسط أنواع الأدوية لهم، وإن كانت (سرنك الإبرة).

والسبب الرئيسيّ لهذا العجز هو عمليات قوّات النظام العسكرية، التي طالت المدن الثائرة من اتجاهاتٍ عدّة. وفي حال تأمين كمياتٍ من الأدوية عن طريق بعض المنظمات أو المتبرّعين، يكون بعضها قد اقتربت مدّة صلاحيته على الانتهاء، وكذلك تلك التي يتمّ إدخالها إلى المدن المحاصرة كمساعداتٍ من بعض المنظمات الطبية، والتي تتبرّع بها الشركة لاستهلاكها مباشرةً في سورية واستخدامها قبل انتهاء صلاحيتها بشهرٍ أو شهرين.

الظاهرة الأغرب في هذا الشأن هي انتشار الأدوية المستعملة، إذ يقوم بعض المرضى أو ذويهم ببيع أو التبرّع ببقايا الأدوية للصيدليات، بسبب الغلاء الفاحش لبعضها، ما يدفع الكثير من الناس إلى البحث عن هذه الأدوية المستعملة في الصيدليات لشرائها بأسعارٍ قليلة، أو الحصول عليها مجاناً من الصيادلة الذين يتذمّرون في بعض الأحيان لدى السؤال عنها.