«عملية نبع السلام» تغير خرائط توزع القوى في محافظة الحسكة

في الثاني من شهر تشرين الثاني 2019، وكان يوم سبت، وجد سكان منطقة نهر زركان الحدودية بين سوريا وتركيا في محافظة الحسكة أنفسهم في قلب المواجهات العسكرية بين "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وذلك بعد تسلل عدد من عناصر الأخيرة إلى قرية النويحات (25 كم شرق مدينة رأس العين) فسيطروا عليها وأجبروا قوات الجيش الوطني السوري على التراجع الى قرية أم عشبة المجاورة.

يروي أبو عبد الرحمن وهو أحد سكان قرية النويحات لعين المدينة هذه الساعات الصعبة قائلاً: "عاد الوطني وشن هجوماً معاكساً على تلك القرى، وأجبر قوات قسد على التراجع من قريتنا وقرى عبد الحي وخضراوي وتل حرمل، والانسحاب باتجاه قرية مزري ليطالها القصف أيضاً"، موضحاً أن الاشتباكات تواصلت من عصر يوم السبت حتى ساعات متأخرة من ليلة يوم الأحد الثالث من تشرين الأول.

في هذه الأثناء شهدت القرى حالات نزوح جماعية عبر الأراضي الزراعية إلى القرى المجاورة. وفي مقطع مصور خاص وصل لعين المدينة، يظهر بعض النسوة في حالة فزع شديد ينشغلن باتصالات للاطمئنان على من تبقى في قريتهن. تقول إحدى النسوة التي يظهر أنها تتصل بشخص خارج منطقة الاشتباكات تطمئنه عن أحوالهن "ما اعرف.. ما اعرف.. ما اعرف.. الولاد ظلوا بالبيت ونحن كلنا، جينا والضرب فوقنا، والمدافع ترجد بينا. الضرب كلو على قريتنا، تهدمت بيوتنا.. نطول بالنا على شنو!".

وفي ظهيرة اليوم التالي الأحد وصلت قوات روسية ترافقها قوات من النظام مزودة بمدفعية وأسلحة ثقيلة إلى منطقة الاشتباكات. ويقول أحد الأهالي من سكان تلك المنطقة في حديثه لعين المدينة "عندما وصلت القوات الروسية توقفت على الطريق الواصل بين قرية كسرة وبلدة أبو راسين، وهناك نزل أحد الجنود الروس يتكلم العربية بركاكة وطلب منا عدم الخوف، وأخبرنا أنهم سوف يطلبون من الجيش الوطني الابتعاد عن هذه المنطقة. وبعد ثلاث ساعات انسحب الأخير من القرى التي سيطر عليها وتراجع إلى قرية أم عشبة" لتستقر هناك خطوط الفصل بين القوات على الأرض إلى لحظة إعداد التقرير.

حدود "عملية نبع السلام" على الأرض

من خلال متابعة تطورات الأحداث في هذه المنطقة التي تحدد المنطقة التي سيطر عليها الوطني، يظهر أن المنطقة الممتدة من الحدود السورية – التركية شمال الحسكة بين قرية ظهر العرب (35 كم شرق رأس العين) وقرية نويحات الحدوديتين بعرض 10 كم تقريباً، وباتجاه الجنوب مروراً ببلدة أبو راسين وصولاً إلى بلدة تل تمر بعمق 30 كم هي المنطقة التي ستكون خط الفصل بين مناطق الوطني غرب تلك المنطقة ومناطق قسد شرقها. وتنتشر في هذه المنطقة الفاصلة قوات روسية وقوات من النظام وبعض عناصر قسد سراً، كما يخبرنا سكان من المنطقة.

أما حدود منطقة انتشار "الوطني" من جهة الجنوب فيشكلها الطريق الدولي M4 الذي يمتد من تل تمر مروراً بعين عيسى وصولاً إلى مدينة عين العرب كوباني غربا. ويعتبر الدولي مكاناً محايداً يستعمله الجميع. أما غرب منطقة "الوطني" فتحدده مدينة عين العرب كوباني التي انتشرت فيها قوات النظام وروسيا، وصرين التي أعادت امريكا تفعيل قاعدتها فيها بعد أن كانت قد انسحبت منها قبل "نبع السلام"

انتشار قوات النظام قبل وبعد العملية

قبل شهر تقريباً كانت معظم مناطق محافظة الحسكة تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والتي تشكل قوات الحماية الكردية عمودها الفقري، باستثناء بعض المناطق التي تخضع لسيطرة قوات النظام. وتتمثل هذه المناطق بالمربع الأمني في مدينة الحسكة، والفوج 123 المتمركز بقمة جبل كوكب (10 كم شرق مدينة الحسكة على طريق الهول)، والمربع الأمني في مدينة القامشلي وبعض الأحياء المجاورة مثل حارة طي والوسطى والمساكن والغربية، ومنطقة انتشار الفوج 154 جنوب القامشلي والمعروف بفوج "طرطب" ومطار القامشلي الدولي. كما كانت قوات النظام تسيطر على أجزاء من ريف القامشلي الجنوبي بطول 30 كم وعرض 15 كلم وتضم نحو 30 قرية تقريباً.

أما اليوم فقد أعاد النظام نشر قواته، وذلك بعد الاتفاق الذي رعته روسيا مع قوات قسد، وخاصة في المنطقة المحاذية للحدود السورية التركية من مدينة عامودا شمال الحسكة مروراً بمدينة الدرباسية وصولاً إلى نقاط التماس مع قوات الوطني. 

ويفيد الصحافي رودي حسو من مدينة عامودا لعين المدينة، "أن قوات النظام انتشرت في نقاط عسكرية كانت سابقا لها وهي: مخفر قرية الخشافية الحدودي مع تركيا، وتقع هذه القرية بين عامودا والدرباسية وتتبع إدارياً لمدينة عامودا، ومخفر الكمالية شمال مدينة عامودا (3 كم)، ومخفر تل حمدون الواقعة غرب مدينة عامودا (8 كم)، ومخفر خرزة الفوقاني (12 كم) غرب عامودا". 

ويوضح حسو أن قوات النظام انتشرت بذلك في المناطق الحدودية مع تركيا من شرق مدينة القامشلي باتّجاه أطراف رميلان مروراً بأطراف القحطانية والجوادية وباب الحديد، ودخلت حقل ملا عباس شمال غرب رميلان، الحقل النفطي الوحيد الذي تسيطر عليه في المحافظة. وهي المرة الأولى التي تدخل فيها ميليشيات النظام إلى هذه المناطق منذ انسحابها منها في عام 2012 وتسليمها لقوات "وحدات حماية الشعب".

أما القوات الروسية بحسب الصحفي حسو فهي تتواجد في ثلاثة مواقع من مدينة القامشلي، وهي المطار الدولي، النادي الزراعي داخل المدينة، وقصر "كريكو" الذي تعود ملكيته الحالية لفؤاد أبو دولو أحد أثرياء الحرب الجدد من الشركاء المحليين لعضو مجلس الشعب السوري والمستثمر حسام القاطرجي، وقد أصبح القصر مقراً للضباط الروس.

وتسير القوات الروسية دوريات انطلاقاً من مدينة القامشلي باتجاه الغرب إلى مدينة عامودا ومن ثم الدرباسية وصولاً إلى قرية القرمانية (5 كم غرب الدرباسية) وهي تمر من أمام النقطة الامريكية في قرية هيمو. وكذلك تنطلق من مدينة القامشلي باتجاه قرية أم الفرسان الواقعة شرقي القامشلي (3 كم) على طريق القامشلي – المالكية، حسب ما أضاف الصحفي حسو.

بينما انطلقت بعض الدوريات الروسية التركية المشتركة على الحدود السورية التركية شرق مناطق "عملية نبع السلام" بموجب اتفاق سوتشي، وقوبلت باستياء الأهالي في وقت تمتنع السيارات العسكرية التركية عن رفع الأعلام التركية. 

إعادة الانتشار الأمريكي

بعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 21 تشرين الأول بخصوص البقاء في شرق وشمال سوريا، عاد عناصر القوات الأمريكية منذ بضعة أيام إلى مقرهم في قرية هيمو الواقعة في مدخل مدينة القامشلي الغربي بعد أن كانوا قد غادروها قبل بدء عملية نبع السلام. كما أعادوا الانتشار في قرية قسرك شمال الحسكة بالقرب من الطريق الدولي M4 الواصل بين بلدة تل تمر ومدينة القامشلي، في ما يبدو أنه محاولة لمنع قوات النظام والروس من توسيع مناطق سيطرتهما، وكذلك لمنع القوات التركية من التمدد أكثر في شمال وشرق سوريا.

وتتواجد القوات الأمريكية حالياً حسب شهود عيان في المنطقة في 3 نقاط عسكرية مهمة بمحافظة الحسكة، وهي مطار "أبو حجر" قرب بلدة رميلان شمال شرق الحسكة، ومطار وقاعدة الحمة قرب بلدة تل تمر شمال غرب الحسكة، وقاعدة الشدادي في الريف الجنوبي للحسكة. وباتت مناطق سيطرتها بالتالي تمتد من جنوبي الحسكة من بلدات الشدادي ومركدة وسبعة وأربعين، صعوداً شمالاً باتجاه منطقة الهول وبلدة تل حميس وبلدة تل براك وصولاً إلى المنطقة الممتدة من شرق مدينة القامشلي حتى منطقة عين ديوار أقصى شمال شرق سوريا، مروراً ببلدات القحطانية والجوادية ورميلان والمالكية وحقول رميلان النفطية التي تضم قرابة 1300 بئر نفطي و25 بئر غاز.

بالعودة إلى من تحدثت معهم عين المدينة من أهالي المنطقة، فهم لا يخفون تخوفهم من الخلافات التي يبدو أنها ما زالت عالقة بين القوى المتصارعة بشأن حدود انتشار كل منها، والتي قد تجعل من منطقتهم مكاناً لمعارك كر وفر، بالإضافة إلى خوفهم من ضياع ممتلكاتهم الخاصة التي قد تتعرض للنهب أو التدمير.

من معرفات الجيش الوطني على الفيسبوك