متداولة على الانترنت

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يعود لمسؤول في حزب العدالة والتنمية التركي ينتقد فيه تصرف شبان سوريين آثروا الاحتفال بقدوم العام الجديد مهللين باسم سوريا، رافعين علم الثورة في ساحة تقسيم بإسطنبول، وبنبرة حادة طالب المسؤول خلال الفيديو السوريين بالذود عن بلدهم، مختتماً حديثه بإهانة.

مشهد انتقاد أنصار الحزب الحاكم في تركيا للوجود السوري بات مألوفاً، فمنذ بضعة أشهر أثار أحد نواب البرلمان التركي غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من سؤاله عن إمكانية ذهاب السوريين إلى مدنهم خلال فترة العيد وعودتهم إلى تركيا، ما يعني بالضرورة أن الوضع آمن والعودة ممكنة! "لكن جملة الرئيس الشهيرة: "هم المهاجرون ونحن الأنصار" كانت الرد، فهل ستبقى هذه المقولة درعاُ يحمي السوريين وتلاقي آذاناً صاغية لدى أنصار الرئيس التركي؟

المشكلات التي تحولت إلى أزمات متفاقمة، متلاحقة، بات يتسع نطاقها، ليتحمل السوريون موت عدد من الجنود الأتراك في معارك درع الفرات وغصن الزيتون، والعقوبات الاقتصادية الأمريكية، وتراجع قيمة العملة المحلية، والأزمات الاقتصادية التي عصفت بالليرة التركية، وازدياد "نسبة البطالة"؛ بل أصبح همّ اللاجئين السوريين أن يثبتوا للأتراك أن الدولة لا تقدم لهم "البيوت والكهرباء والفحم والغذاء والرواتب الشهرية"، والتي تجذّرت في فكر عدد ليس بقليل منهم، ناهيك عن تحمل موجات الغضب إثر كل حادثة، وما ينجم عنها من اعتداءات على الأشخاص والمحال التجارية.

الأصوات الداعية لعودة السوريين إلى بلادهم بدأت تجد طريقها، ليس على الصعيد الشعبي فحسب، بل من خلال بعض المسؤولين والأحزاب، الذين عكفوا على دراسة واقع السوريين، والبحث في أدق تفاصيلهم -حتى الأخطاء الفردية- وتصديرها لوسائل الإعلام كوسيلة ضغط على الحكومة: منها منح الجنسية التركية وارتفاع معدل الولادات وزيادة ظاهرة التسول والجرائم، والتي دأب المسؤولون في الحكومة التركية على إيضاحها، دون جدوى، أمام اصطدامهم بوجهات نظر مغايرة تجد آذان صاغية لدى شرائح واسعة من الشعب التركي.  

ساهم في ذلك عاملان، الأول تزايد الحديث عن إعادة الإعمار والاستقرار في المنطقة، بعد سيطرة النظام على كثير من المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته، ومؤتمرات (الحل) التي كان لتركيا دوراً بارزاً فيها، سواء سوتشي أو أستانة، والتقارير الإعلامية الكثيفة التي تتحدث عن عودة الحياة إلى المدن السورية. والثاني هو  الضغط الناجم عن استعمال ورقة اللاجئين السوريين من قبل أحزاب المعارضة التركية في حملاتها الانتخابية المختلفة.

واليوم، ومع استعدادات الأحزاب المختلفة لخوض الانتخابات البلدية، يثار الجدل مجدداً في قضية تجنيس السوريين، والأثر الذي تحدثه مشاركة المجنسين منهم في نتائج التصويت بهذه الانتخابات، فيما يسعى حزب العدالة والتنمية لإثبات هامشية ما تشكله اصوات المجنسين، بعرض البيانات الخاصة بأعدادهم وخرائط انتشارهم في الولايات التركية المختلفة.  

وكان تصريح وزير الخارجية التركية مولود أوغلو أن تركيا "ستدرس بشكل رسمي العمل مع الرئيس السوري بشار الأسد" وجبة دسمة تناولتها الصحف التركية المعارضة والبرامج الصباحية بشراهة المتعطش إلى حل، وأسكنت تذمر البعض من أنصار الحزب الحاكم. تصريح أوغلو المشروط بانتخابات ديمقراطية لاختيار الأسد كرئيس رآه السوريون استدارة تركية للثورة السورية، لكن الملاحظ على مدى السنوات السبع العجاف أن ما وعدت به أنقرة اللاجئين السوريين على أراضيها قد تم تنفيذه.. كان آخرها المنطقة الآمنة وآلية عودة السوريين تدريجياً إلى بلادهم.

شريط الأخبار العاجل في زمنه لم يأتِ بجديد في الموقف التركي حيال سوريا، فأردوغان حسم موقف بلاده أن (لا حوار مع النظام)، وإن بقي الأسد فلا طرف له في تقرير مستقبل سوريا، وعودة السوريين مرهونة بالمنطقة الآمنة التي قال عنها "إن لم تؤسس المنطقة الآمنة، نحن سنقيمها".

قد يكون الحوار التركي السوري محتمل، لكن جرائم النظام وتهجير السكان والتغيير الديمغرافي الذي أحدثه في البلاد لن يذيب جليد العلاقات التركية السورية، فمقولة "نحن الأنصار" تثبت أن تركيا، ورغم كل الأصوات الرافضة لوجودهم ، كانت البلد الأفضل من بلدان الجوار الذي احتضن اللاجئين السوريين.