اجتماعات مكثفة لشرح أهمية الكومينات في مقاطعة الشهباء - Rumaf

كان الخيار صعباً: فإما الخروج في المظاهرة ونيل مادة المازوت بشكل مخفض، أو الاستغناء عن التخفيض وشراؤه من السوق السوداء بسعر مرتفع. خيارات لا ثالث لهما أمام أبو محمد مع اشتداد موجات البرد في مدينة منبج، بعد أن أجبره رئيس كومين حيه في طريق الجزيرة على الاختيار بين الخروج في مظاهرة ضد تركيا أو عدم بيعه المازوت المخفض من قبل رئيس الكومين جاسم البكار في حي طريق الجزيرة.

يقول أبو محمد (48 عاماً) من أبناء حي طريق الجزيرة في مدينة منبج لعين المدينة، "رئيس كومينا هددنا كلنا بشكل واضح. قال كل إنسان ما يخرج بالمظاهرة ضد تركيا ما رح يكون إله لتر مازوت من الكومين وخليه يشتري من برا". ويوضح أبو محمد بأن عملية التهديد ليست جديدة، ففي كل مرة تقام فعالية خاصة (بقوات سوريا الديمقراطية "قسد") المسيطرة على المدينة لابد من المشاركة فيها، وإلا "يُرفع بك تقرير للاستخبارات وقيادة قسد الأمنية".

اضطر أبو محمد للمشاركة في المظاهرة التي دعت إليها قسد في منبج بسبب سوء وضعه المادي وعدم مقدرته على شراء المازوت من السوق السوداء، خاصة أن سعرها يصل فيها إلى ضعف سعره لدى الكومين، ويقول: "كان الخيار صعباً رغماً سهولته.. نحن مالنا بهاي الأمور لا من بعيد ولا من قريب، يهمنا معيشتنا وبس، لكن إذا بدك تعيش لازم تساير الجميع، لهيك طلعت بالمظاهرة".

أبو محمد الذي فضل عدم ذكر اسمه الحقيقي خوفاً على حياته، ليس الوحيد الذي خضع لتهديدات الكومين، فياسر العمر (52 عاماً) كذلك أُجبر على مراجعة الكومين عدة مرات من أجل ابنه الشاب، حيث تم تبليغه بضرورة التحاقه بالتجنيد الإجباري الذي فرضته قسد في منبج مؤخراً وإلا سيتعرض للغرامة المالية هو وولده. يقول في حديثه لقريبه الذي يعيش في تركيا، كما أخبرنا بذلك القريب، "لا أعرف كيف علموا بوجود ابني! رغم أنه قدم من تركيا قبل مدة بسيطة، ولا يغادر المنزل. ما هي إلا أيام حتى جاءني رئيس الكومين يبلغني بضرورة التحاقه بالتجنيد الإجباري".

وتعرّف الكومينات بحسب نظام الإدارة الذاتية بأنها مجموعة من الناس في الحي أو القرية يقومون بإدارة أمورهم الحياتية ومعالجة مشاكلهم من الناحية الثقافية والصحية والاجتماعية والصناعية والاقتصادية والزراعية. كما يعرّف الكومين بأنه العمود الفقري (للإدارة الذاتية الديمقراطية والفيدرالية الديمقراطية) التي تسعى إليها، فهي إدارة مصغرة عن الإدارة الذاتية. ومن هذا التعريف يمكن استنتاج الصلاحيات الواسعة لمسؤولي الكومين، الذي يشبه في عمله المباشر أمام الأهالي وشكله الخارجي المخاتير في الأحياء، لكن يبدو من داخله بإنه سلطة أخرى تمارس مهامها بشكل عام.

رغم المفهوم العام والجمل الرنانة المعرفة للكومين فإنه بات يعتبر سلطة أمنية أخرى على رقاب الناس في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي pyd، حيث يقوم رؤوساء الكومينات بمهام يصفها المدنيون بأنها مهام الجواسيس أو(الفسافيس) بحسب اللهجة المحلية، فالكومينات "مركز رفع التقارير ضد المدنيين للجهات الأمنية في قسد"، كما يقول المحامي أحمد العلي من مدينة منبج لعين المدينة.

ويوضح العلي بأنه "لو تم التمعنَّ في الكومينات التي تم إنشاؤها عن طريق الإدارة التابعة لـ pyd سنجد عكس مهامها المفترضة تماماً، والجميع عاشر مآسي الكومينات في منطقته ويدرك تماماً كيف أن مهمتها معاكسة لما هو مطلوب منها، لا بل هي سبب بلاء للأهالي". ويشرح بأن الكومين أصبح مكاناً لرفع التقارير للجهات الأمنية بكل شخص لا يقدم الولاء المطلق لرئيس الكومين أو أعضائها، عدا عن ربط كثير من الإجراءات الروتينية بتوقيع من رئيسها، ويتم عن طريقها "محاربة المواطن في لقمة عيشه تحت شعار (ترضخ لنا أو تُذل)" كما في دفع الناس للتظاهر وحضور ندوات حزب سوريا المستقبل وحضور ورشات العمل التي تجريها الإدارة الذاتية أو قسد.

ويشير العلي إلى أن الكومينات نظمت بشكل جيد تقديم الخدمات للمدنيين عبرها حصراً، لتستغلهم بذات الوقت من أجل أهداف سياسية بحتة، عدا عن السرقات الكبيرة التي حصلت وتحصل للمساعدات الإنسانية. ويتخوف مما قد تتسبب به الكومينات مستقبلاً بوقوع مشاكل كبيرة بين أبناء الحي أو القرية، خاصة في منبج التي تبدو على أعتاب تغير كامل في السلطة الحاكمة لها.

ولا تقتصر مهام الكومينات فقط على المتابعة الأمنية لأبناء المدينة، بل من مهامها معرفة كافة النازحين الذين يقصدون الأحياء أو القرى التي تتشكل فيها، والتأكد من وجود (ورقة الكفالة)، وفي حال عدم وجود هذه فإنهم يبلغون الجهات الأمنية التي ترحلهم أو تجبرهم على شراء الكفالة من أحد السكان الأصليين، كما أن عمليات تأجير المنازل لا يمكن أن تتم إلا بموافقة خطية من الكومين المسؤول.

أنشأت الإدارة الذاتية حتى نهاية 2017 أكثر من 3000 كومين في مناطق سيطرتها، بحسب ما تداولت وسائل إعلامية، وزاد هذا العدد بشكل كبير بعد سيطرتها على مدينة الرقة ومناطق واسعة في ريف ديرالزور. وتواجه هذه الكومينات تهماً كثيرة من قبل المدنيين تصل إلى وصفها بأنها البديل الرسمي للمفارز الأمنية والفرق الحزبية إبان سيطرة نظام الأسد، والإشارة إلى أن معظم رؤساء تلك الكومينات من الأشخاص الأميين أو الذين لا يملكون إلمام يخولهم في شغل مسؤوليات مجتمعية.