فيلات البلدية .. معقل «فاغنر» و «فاطميون» والحرس الثوري في ديرالزور

خلال السنوات الماضية تغير حي "فيلات البلدية" في مدينة دير الزور عما كان عليه قبل العام (2011)، إذ تحوّل في السنوات الماضية إلى حي عسكري تقريباً، بتحويل بيوته الفخمة إلى مكاتب ومساكن لكبار الضباط القادمين إلى دير الزور من جيش النظام، ولقادة الميليشيات بأنواعها المختلفة، وكذلك بعض أثرياء الحرب من أبناء المدينة، ولبعض المنظمات والمراكز المدنية التابعة لحلفاء النظام الإيرانيين والروس.

خلف جامع الفتح في طرف حي "الفيلات" ينشط المركز الثقافي الإيراني منذ افتتاحه في شهر آذار الماضي، بإقامة فعاليات متنوعة، فكرية بمحاضرات عن المعنى "الإنساني لعاشوراء" أو المعنى "البطولي للحركة التصحيحية"، وتعليمية بدورات تعليم للغة الفارسية، وخيرية بتوزيع سلال غذائية على عوائل القتلى والجرحى بقوات النظام، ورياضية بتشغيل شاشة كبيرة تتيح متابعة مباريات كرة القدم المنقولة عبر قنوات تلفزيونية مأجورة مجاناً للشبان والصبية مع الضيافة بسعر رمزي.

فرقة المقاتلين المرتزقة الروس "فاغنر" تتخذ من إحدى الفيلات الفخمة مقراً إدارياً ومسكناً يقيم فيه بعض قادتها، وعلى الباب يوزع الحراس، الذين يشبهون في وجوههم وهيئاتهم رجال العصابات، نظرات قاسية على الجميع. فيما تظهر على وجوه عناصر ميليشيا "لواء فاطميون" الأفغاني، التي تحتل هي الأخرى عدة "فيلات" متجاورة في الحي، علامات البؤس والجوع واللجوء الطويل في إيران قبل انتسابهم إلى هذه الميليشيا ليقاتلوا في صفوفها في سورية. في فيلا الجماعة الأولى تقام أحياناً -خاصة في أعياد الميلاد والفصح- حفلات صاخبة تعلو خلالها من مكبرات صوت داخلية أغنيات باللغة الروسية. وفي "فيلات" الجماعة الثانية تقام أيضاً حفلات من نوع آخر يسمع فيها أيام المناسبات الدينية التي يقدسها الشيعة، أناشيد ولطميات بلغة الهزارة الفارسية.

منذ انتقاله الى دير الزور في العام 2014 استولى عصام زهر الدين على إحدى الفيلات وجعلها مسكناً ومكتباً له، وفي أوقات فراغه كان يحلو لزهر الدين، أن يتدخل في حل إشكالات خدمية في الحي والفصل في شجارات ونزاعات قادة الميليشيات مع بعضهم البعض.

ابتداء من النصف الأول من عقد التسعينات، بدأ المكتتبون على جمعية سكنية نشأت على مراحل تابعة لبلدية المدينة- بتسلم منازل من طابقين صممت على نموذج "الفيلا". وفي العقدين السابقين للثورة شكل أصحاب المهن الرفيعة، من أطباء ومهندسين ومحامين ومقاولين وتجار -إضافة إلى المسؤولين- أغلبية سكان الحي الذي صار واحداً من الأحياء الراقية في المدينة. وأضاف وقوع المبنى الجديد آنذاك لفرع أمن الدولة في الطرف الجنوبي للحي نوعاً من الرهبة، إلى جانب الغرابة التي تفرضها رؤية هنود أو أوربيين أو أفارقة حتى من موظفي شركات النفط العاملة في دير الزور، التي استأجرت "فيلات" في الحي لتجعلها مكاتب أو مساكن لموظفيها الأجانب أو لبعض المديرين السوريين من المحافظات الأخرى.

قبل العام 2011 وخلال عقدين من الاكتمال السكاني لنشوئه، لم يتح لهذا الحي أن يكتسب هوية أو شخصية خاصة تميزه عن باقي أحياء المدينة، وإلى حين اندلعت الثورة ثم الحرب ثم الحصار، لينقلب المشهد بمغادرة معظم سكانه وقدوم سكان جدد من روسيا وأفغانستان بجماعتي فرقة "فاغنر" و"لواء فاطميون" ومن إيران ولبنان بمكاتب ومساكن خاصة للحرس الثوري وحزب الله، ومن العراق عبر الميليشيات الأخرى، التي تأخذ أسماء عدة يقرأ بعضها من لوحات صغيرة على مداخل بعض الأبنية، كتبت بالفارسية ك"شهداء برم هنده" العبارة المكتوبة في لوحة صغيرة معلقة على باب أحد مقرات "فاطميون"، وباللغة العربية ك "المقاومة الإسلامية- حركة النجباء" و"سيد الشهداء" و"الأبدال" وغيرها كثير.

ومع هذا التشكيل السكاني متعدد الجنسيات، يحاول عناصر الأمن والميليشيات السورية -وكذلك السماسرة ومقدموا الخدمات من أبناء المدينة- التكيف بتعلم المفردات والعبارات اللازمة من اللغتين الفارسية والروسية، ويبدون أقصى درجات اللطف والاحترام ل"زملائهم" من "فاغنر" و"فاطميون" والحرس والحزب و"الفصائل المجاهدة"، ونتيجة التكتم والغموض أحياناً في طرائق عمل تلك الميليشيات التي تحرص على إخفاء الأسماء الحقيقية للمنتمين إليها، تنحصر معارف السوريين عنها بالألقاب الحركية لما يعرف ب"الحجاج" في الميليشيات التابعة للحرس الثوري، وبأسماء متكررة في فرقة فاغنر ولبعض القادة والجنود الروس الذين يظهرون هم أيضاً على نحو دائم في الحي.