عن اختطاف الصيدلي إبراهيم رضوان في أطمة.. (الفطريون) الذي دافع عنهم يضمونه إلى قائمتهم لأخذ الفدية

الصورة من موقع قناة حلب اليوم

قبل دقائق من اختطافه، وعبر الواتس آب أخبرني الصيدلي إبراهيم رضوان بأن "لا داعي للحرج" ردّاً على طلباتي الكثيرة لأدوية يرسلها لنا، ليردفها بتسجيل صوتي، يرافق محادثاته الدائمة "بعتلك المطلوب، روح خدوا، وشو بيلزمك أنا جاهز".

مرّت ساعة واحدة، ليخبرني أحدهم أن الصيدلي قد اختطف، كان وقع الكلام خفيفاً عليّ، لم أصدق بداية، فمن الذي يقوى على اختطاف هذا الرجل؟ أعادت الذاكرة أمامي رسم ملامح هذه الشخصية؛ تعرّفت عليه بداية في العام 2000، كنا نعمل سويّاً في واحدة من صيدليات طريق الباب في حلب، أضحك لفكرة أنه لا يشرب القهوة والدخان والعصير، كان يكتفي دائماً بـ "كيس من النايلون، يضع فيه لباساً وحذاءً رياضياً، استعداداً لمباراة كرة قدم مفاجئة".

لم يكن إبراهيم مهتماً بالسياسة وقتها، كل ما كان يشغل باله أخبار الرياضة، وعشقه لفريق ريال مدريد، إضافة إلى عمله كصيدلي، دائماً ما كنت أنظر إليه كـ "شخص غير مبالي"، قلتها له مراراً، وكان يجيبني بأن "يضحك أكثر".

غابت أخبار إبراهيم عني، حتى عام 2013. آخر ما كنت أتوقعه يوماً أن يكون واحداً من الثوار، يومها التقيته مصادفة في منزل صديق لنا في (كفرغان)، كان الحديث "عصبياً"، وكان "محتدّاً" وهو يدافع عن الثورة في إدلب، يحاول بقدر استطاعته "تبرير بعض الأخطاء"، ويدفع عن الثورة تهماً رآها "باطلة" حول بعض مشاهد "الخطف والسرقة"، ملقياً باللوم على من أسماهم "النخب" للتخلي عن استلام زمام المبادرة، وتوجيه الأشخاص الذين أطلق عليهم "الفطريون".

اتهمني بـ "التشبيح"، بعد أن قذفت في وجهه بعضاً من "الأسماء المتهمة بالإساءة للثورة"، استعرت منه قدرته على "الضحك" كرد فعل كان غالباً ما يغيظني به سابقاً، وحاولت أن أسلسل الأحداث أمامه بـ "منطقية"، إلّا أن "ثورته الجديدة" كانت أقوى من المنطقية، كانت ثورة مكبوتة منذ زمن في داخله وأطلق لها العنان، أراد أن ينهي الحديث معي بأي طريقة، ليخلص إلى عبارة وجدها مخرجاً ورأيتها مقصلة "غبار حذاء أي مقاتل، بالرغم من أخطائه، أشرف من حياتنا جميعاً".

اختارنا المكان لنسكن متجاورين في ولاية كيليس التركية، في العام 2016، مع فارق بسيط، فـإبراهيم لم ينقطع يوماً عن الداخل السوري، كان يعمل في واحد من المستوصفات السورية في سجو بالقرب من مدينة أعزاز، إضافة إلى عمله في مشفى يتبع لبلدته حريتان، يقطع الطريق أسبوعياً عبر عفرين، التي كانت تسيطر عليها وقتها "وحدات حماية الشعب الكردية"، غير آبه بصعوبة وتعب الطريق، والمرور عبر حواجزها.

اتفقنا واختلفنا على كثير من الأحداث السياسية التي كنت أفندها برؤية المتابع، ويرد عليها بإحساس عالٍ من الثورية؛ تغيّر إبراهيم كثيراً، صار دائم التوجس والقلق حيال ما كان يحدث، وبالرغم من ذلك، لم يكن ليتعب نفسه بمتابعة الأخبار، ولم يكن يملك أي حساب على أي وسيلة تواصل اجتماعي، كان يستقي أخباره وإيمانه من الأرض، ومن قناعات ثابتة بأن "تلك الثورة لن تنهزم"، كما كان يقول، مكتفياً بأداء دوره في المساعدة على كافة الأصعدة.

"كيس من النايلون"، هذه المرة لا يخبئ فيه لباسه الرياضي استعداداً لمبارة كرة قدم مفاجئة، بل الكثير من الخدمات والأدوية، يوزعها على أماكن متفرقة، غالباً ما كان ينسى أين وضع أدوية (أم فلان) ودواء الضغط لـ "أبو أحمد" وشراب السعال وبخاخ الربو لغيرهما…

خطف إبراهيم الأسبوع الماضي من قبل ملثمين في سيارة دفع رباعي سوداء اللون في أطمة، بالقرب من كفرجنة، التي أصبحت اليوم بيد "الثوار"، دون أن تفلح كل المحاولات بمعرفة الخاطفين، واكتفينا بصياغة خبر عن اختفائه، ووقفة احتجاجية رفضاً لاختطافه، وبعض مناشدات هنا وهناك، والكثير من دعاء العجائز.

خطف في المكان الذي قطعه لسنوات جيئة وذهاباً لأداء "واجبه"، كما كان يقول، ومن قبل الذين دافع عنهم بكل ما أتاحت له قوته. وفي انتظار ما يريدونه، وغالباً ما سيكون "آلافاً من الدولارات"، بعد حوادث مشابهة خلال الأشهر الماضية، والتي كان ضحيتها عشرات من الكوادر الطبية والنخب الفكرية، والتي سعّرها الخاطفون بـ (70-120 ألف دولار)، ومارسوا بحقها "الأذية الجسدية، وتصوير مقاطع فيديو تظهرهم بحالة يرثى لها من التعذيب، لإجبار أهلهم على تلبية مطلب الخاطفين".