الزواج المبكر في مخيمات إدلب يرفع نسبة الطلاق

يشكو "الشيخ عبد الله" من كثرة الاتصالات التي ترده لحل المشاكل الزوجية بين أبناء بلدته، وذلك بعد نزوحهم منذ أكثر من عام ونصف من بلدتهم الواقعة في ريف إدلب الجنوبي إلى مناطق المخيمات في شمال إدلب. وحسب عدد حالات الزواج والطلاق التي رصدها، فإن نسبة الطلاق تصل إلى أربعين بالمئة.

يرى رجال دين في شمال إدلب يعملون في حل القضايا الزوجية، أن نسبة الطلاق المرتفعة سببها انتشار الزواج المبكر، وأن الطلاق بين القصر من الجنسين شائع بشكل كبير، وذلك بسبب عدم قدرة الفتيات على "تحمل المشاكل بين الأزواج، وعدم قدرة الشبان على تأمين متطلبات المرأة". ورغم عدم وجود أرقام توثق نسب الزواج المبكر في شمال غربي سوريا، لكن يمكن رصد الكثير من الأزواج الذين لم تتجاوز أعمارهم 20 عاماً بالنسبة للشبان، و13 عاماً بالنسبة للفتيات.

لا جديد في فكرة الزواج المبكر التي تعرفها بيئات سورية محافظة، لكنها انتشرت على نطاق واسع بين الشباب مع النزوح، وفي سياق ظهور "الاعتماد على النفس"، بعد أن اقتلعهم النظام من مجتمعات مستقرة تخضع للأعراف والتضامن، كما يرى عمر السليم المتابع للشأن الاجتماعي في مخيمات شمال إدلب، ويضيف إلى رواج فكرة "الاعتماد على النفس" آلية التقليد أو المحاكاة أو "الغيرة من بعضهم" كما يسميها، إذ يشاهدون كيف أن "خيمة وبعض المال تأهل الشاب للخطبة والزواج"، ما يجعل الأمر سهلاً في نظرهم، لكن "بعد نفاذ الأموال وجلب الأولاد، تبدأ المشاكل بين الزوجين"، كذلك تصطدم هذه "الهبّة" بالواقع، حيث صعوبة المعيشة وانقطاع السبل وانعدام الحيلة، ما يجعل حالات الطلاق تزداد.

"معيشني بخيمة وميتين من الجوع، وفوق هيك كان يضربني" بهذه الكلمات تشرح ليلى (18 عاماً مطلقة منذ عام) أسباب الطلاق التي أدت إلى إنهاء حياتها الزوجية مع زوجها العامل في مواد البناء في منطقة أطمة بريف إدلب الشمالي. تلخص ليلى حالها السابق في ظل الزواج بأنها "خادمة دون مقابل"، وتروي أن عمل زوجها السابق متقطع، وأن حماتها التي كانت تعيش معهم في ذات الخيمة تتدخل بكل شؤون حياتها، وأن كل أعباء العمل المنزلي في الخيمة تقع على كاهلها؛ كل ذلك دفعها إلى طلب الطلاق.

فاطمة تملك شهادة في اللغة العربية وتعمل في إحدى المنظمات الإنسانية شمال إدلب، تزوجت في سن مبكرة، وانفصلت بعد ٣ سنوات لرفض فكرة عملها من قبل زوجها، كما تقول. ترى فاطمة أن الزواج المبكر أثر سلبياً على حياتهما بسبب عدم التفاهم على كثير من الأمور أثناء الخطبة، مثل الاتفاق على قبول الزوج بعمل الزوجة أو الخروج من المنزل دون إذنه. وتعتقد بأن الحالة الاقتصادية لها دور رئيسي في المشاكل الزوجية وسط البيئات المحافظة، وتقول: "الزوج الذي يستطيع تأمين حاجيات المنزل، يجبر المرأة على التغاضي عن كثير من مساوئه!".

أما حازم فيعطي من محيطه أمثلة عن حالات زواج مبكر ما زالت مستمرة رغم النزوح المتكرر، ويرى أن الفيصل في الأمر هو الحب قبل الزواج. يملك حازم شهادة في التجارة والاقتصاد من جامعة حلب، وانفصل عن زوجته بعد ٧ سنوات بسبب عدم قدرته على التفاهم معها وغيرتها الزائدة، كما يقول. ويرى أن انخفاض الطلاق بين الأزواج الأكبر سناً سببه وجود الأولاد وتدخل الأقرباء من العائلة، لكنه لا يعني عدم وجود المشاكل، ويعتقد بأن الحالة التعليمية ليس لها دور في انخفاض حالات الطلاق، لأن كثيراً من المتزوجين لا يتبنون ثقافتهم التي يتلقونها في حياتهم الزوجية، بل تحكمهم العادات والتقاليد.

"ما في يوم إلا في حالة طلاق سببها الفقر وقلة الشغل وضيق الخيم" بهذه الكلمات يعبر الشيخ عبد الله عن المشاكل العائلية التي تؤدي إلى الطلاق بين الأزواج، لعدة أسباب منها عدم قدرة الرجال على الالتزام بمسئولياتهم المالية، إضافة إلى عدم وجود مأوى جيد لآلاف العوائل التي تسكن الخيام. يقول الشيخ عبد الله لـعين المدينة، إنه "خلال العام الماضي رُصدت أكثر من ١١٠ حالات طلاق مقابل ٢٨٠ حالة زواج، في منطقة عدد سكانها لا يتجاوز ٢٥ ألف نسمة"، وهي المنطقة التي نزح إليها أبناء بلدته جماعياً في شمال إدلب، بعد أن هجرتهم قوات النظام السوري والطيران الروسي من جنوب إدلب.