أجهزة الإنترنت الفضائيّ.. بدائل أسهمت في نقل الواقع السوريّ وتسليط الضوء عليه

"الحاجة أمّ الاختراع" مقولةٌ لم تأتِ عن عبث، فقد أثبت السوريّ جدارته بالعمل بها، بالابتكار أو باستبدال العديد من الوسائل التي تمكّنه من الاستمرار وتحقيق مطالبه بعد أن حرمه النظام منها، والتي كان أولها وأهمها الإنترنت.

اعتمد المواطن السوريّ في السابق على الإنترنت التابع لمؤسّسات النظام، عن طريق مزوّدي خدمة الهاتف الجوّال والمؤسّسة العامة للاتصالات. استخدم الناشطون خدمات النت الرديئة هذه في بداية الثورة لتوثيق المظاهرات وقمع النظام لها وانتهاكاته المختلفة. وكانت سرعة الإنترنت في ذلك الوقت تقدّر بـ20 كيلوبايت في الثانية، مما خلق مشكلةً كبيرة، فقد كان تحميل صورةٍ حجمها 12 ميغابايت يستغرق 10 دقائق؛ ما أثر بشكلٍ كبيرٍ على جودة وكمية الصور ومقاطع الفيديو التي ترسل إلى وسائل الإعلام، وخاصّةً فيديوهات المظاهرات بسبب ضغطها عدّة مرّاتٍ كي يتمّ تحميلها. ثم قام النظام بقطع الإنترنت عن المناطق الثائرة على أمل أن يمنع خروج المعلومات والفيديوهات التي توثق الأحداث إلى العالم.

الصحفي أحمد الأحمد، الذي أسهم في توثيق الأحداث منذ ذلك الوقت، قال لنا: "في نيسان 2011 قطع النظام الإنترنت عن مناطق ريف حماة، مما اضطرّنا إلى المغامرة والتسلل إلى مدينة السقيلبية -التي يسيطر عليها النظام ولم يقطع عنها الخدمات- لنرفع مقاطع فيديو المظاهرات، والتي كانت تحتاج إلى ساعاتٍ من الانتظار ليتمّ تحميلها وإرسالها إلى المحطات رغم أن مدتها لا تزيد عن 30 ثانية".

وقد أسهم بعض المغتربين في تقديم حلٍّ جزئيٍّ للمشكلة بإدخال أجهزة الإنترنت الفضائيّ (أسترا Astra) و(الثريا Thuraya) إلى المناطق الثائرة. وتبلغ سرعة التحميل عبرها 500 كيلوبايت في الثانية، ما سهّل على الناشطين القيام بعملهم بشكلٍ أفضل. لكن المستفيدين من هذه الأجهزة ظلوا قلة، بسبب تكلفتها العالية ومحدودية عدد الأجهزة التي دخلت إلى البلاد في ذلك الوقت. ويتكون جهاز الأسترا من (ريسيفر) ولاقط (إبرة) وصحنٍ يستقبل تردّدات القمر الصناعيّ الذي تتمّ عبره عمليات التحميل والتنزيل. كما يتميّز بسرعة تركيبه وسهولة نقله من مكان إلى آخر. وفي نهاية عام 2011 دخل جهاز (آي دايركت iDirect) الذي كانت سرعته أفضل بكثيرٍ من أسترا، فهو مفتوح التحميل ولكنه مكلفٌ إذ يصل شحنه إلى 1000 دولارٍ في الشهر، ما جعل السوريين يبحثون عن حلولٍ أخرى، إلى أن نجحوا في تأمين جهاز (التووي Tooway)، الذي كان خير بديلٍ عما سبقه وأقلّ تكلفة. ومن الأجهزة التي استخدمها الناشطون أيضاً (الأوربيت Orbit) و(الهيوز Hughes).

أما أفضل الحلول التي استخدمت فهو جرّ الإنترنت التركيّ إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام داخل سوريا منذ بداية العام 2013. وهو يقدّم خدمةً بسرعاتٍ كبيرةٍ وميزاتٍ جيّدة، ويعتمد على المخدّمات التركية، بعد أن سمحت الحكومة هناك بإيصاله إلى الأراضي السورية المحرّرة، من خلال شراء برجٍ متصلٍ بالأبراج داخل الأراضي التركية يقوم المستثمر بتركيبه لتأمين تغطية المنطقة التي يوجد فيها. وتطوّرت تغطية النت التركيّ بشكلٍ سريعٍ ليصل إلى وسط سورية بعد أن بقي محصوراً لمدّةٍ بالمناطق الحدودية.

ولم تقتصر خدمات الإنترنت التركيّ على مكاتب الإعلاميين، بل كان له دورٌ كبيرٌ في افتتاح صالاتٍ خاصّةٍ لخدمة الإنترنت (المقاهي) التي أسهمت أيضاً في إيصال تلك الخدمة إلى منازل المدنيين من خلال توزيع باقاتٍ من المقهى، ومن ثمّ يتمّ تقسيم الحزمة إلى باقاتٍ عن طريق أجهزةٍ خاصّة، ويشترك المواطن بهذه الخدمة ليستقبلها بعدّة طرق؛ إما بشراء بطاقات نت ويستخدم الشبكة التي تغطي المدن والقرى والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام، أو عن طريق اشتراكٍ خاصٍّ من المزوّد الأساسيّ للخدمة في المنطقة التي يسكنها، يستقبله في منزله عن طريق مستقبلٍ للخدمة ويعيد نشرها عن طريق "راوتر".

وعن ذلك يحدثنا السيد ماهر، وهو واحدٌ من عشرات مزوّدي خدمة النت التركيّ في مدينة إدلب، قائلاً: "نقوم باستجرار الإنترنت من تركيا عن طريق أجهزةٍ تلتقط الإشارة ثم تعيد نشرها مرّة أخرى. نحتاج إلى جهازٍ كل 10 كم حتى تصل الخدمة إلى مدينة إدلب وريفها وبعض مناطق محافظتي حمص وحماة".

ويتطرّق السيد ماهر إلى الصعوبات التي تواجههم قائلاً: "الحصول على قطع التبديل، وحالة الطقس السيئة، والناحية الأمنية؛ إذ لا نستطيع إصلاح عطلٍ ما في الأجهزة الناقلة الوسيطة -والموجودة في مناطق مرتفعةٍ غالباً- بسبب التحليق الكثيف للطيران. كما نعاني من التكلفة الباهظة والفارق الكبير في سعر الصرف؛ فالمستخدم يدفع لموزّع الإنترنت بالليرة السورية بينما يتعامل الأخير بالدولار لشراء الأجهزة وبالليرة التركية لدفع الرسوم العالية".