مسيرة "سورية قومية" في مدينة محردة

في الأسبوعين الأخيرين من الشهر الماضي احتفل السوريون القوميون الاجتماعيون بالذكرى (85) لتأسيس حزبهم. تنوعت الاحتفالات بين سهرات اجتماعية تضم (الرفقاء) وعائلاتهم، ومسيرات شبه عسكرية تجوب الشوارع في البلدات والمدن الصغيرة التي ينشط فيها الحزب.

وكما جرت العادة كل عام، ألقى أمناء ومنفذون ونظار ومدراء خطباً حماسية أكدوا فيها على «ضرورة العمل المستمر لبناء النهضة السورية» وأن «الانتصار الشامي على الأعداء صار حقيقة بفضل بطولات جيشه العظيم وحلفائه، وعلى رأسهم نسور الزوبعة» .

مسؤولون حزبيون سوريون، قوميون اجتماعيون و بعثيون عرب اشتراكيون، عبروا عن سرورهم المشترك ب «جمالية تزامن ذكرى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي مع ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة» بما لهذا من دلالات عن تعانق الحزبين.

رجال دين شيعة كانوا حاضرين في معظم الاحتفالات، إلى جانب زملائهم من رجال دين سنة، وأحياناً علويين ودروز، ورجال دين مسيحيين كاثوليك أرثوذكس، وأحياناً بروتستانت، والجميع وجدوا في الأرشيف الضخم لأقوال سعادة وكلمات حافظ الأسد ما يبرهنون به على وحدة النضال، الجهاد، الكفاح، ووحدة الهدف ووحدة المصير. مدير مركز من المراكز، الكثيرة اليوم للإمام المهدي في سورية، كان الأمهر بين الضيوف في احتفال منفذية دمشق بالتنقيب في أرشيف سعادة، ليستشهد بقوله «ما من سوري إلا وهو مسلم لرب العالمين، منا من أسلم لله بالإنجيل، ومنا من أسلم لله بالقرآن، ومنا من أسلم لله بالحكمة، و ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وأرضنا وحقنا سوى اليهود».

ودون كلل من الخطباء، أو ملل لدى المستمعين، في الاحتفالات التي امتدت من ريف السويداء في الجنوب إلى ريف اللاذقية في الشمال، مروراً بالدويلعة وصحنايا وصيدنايا وصافيتا والسلمية ومصياف ومحردة، استُعرضتْ باستفاضة حياة مؤسس الحزب «الزعيم الأسطوري» أنطون سعادة، الذي تعرض لإرهاصات الفكرة منذ كان طفلاً مطلع القرن الماضي، فاعتنقها اعتناقاً يشبه الإيمان، لم يلبث أن صدر عنه عقيدة شاملة.

بقدرٍ ما تبدو الاحتفالات مسلية لمن تابعها مرة واحدة، ويبدو مسلٍ ولمرة واحدة فقط تصفح أدبيات السوريين القوميين، منذ النشأة في ثلاثينات القرن الماضي حتى اليوم، مرورا بالحوادث والأزمات الفارقة في سيرتهم، خاصة في الطابع الملحمي الذي يضفونه على حوادث تافهة، مثل شجارات لسانية مرات أو بالعصي والحجارة والسكاكين في مرات أخرى، خاضها سوريون قوميون في الماضي ضد منتمين لأحزاب أخرى.

قبل الثورة كان السوريون القوميون حالة هامشية جداً، تقتصر على نوعين للمنتسبين لها، الأول هو النوع الذي ورث العقيدة والانتماء السياسي عن والديه كأنه يرث منزلاً أو سيارة أو قطعة أرض، فيما ضم النوع الثاني طيفاً من حمقى وعابثين. وبعد الثورة تبنى نظام الأسد الحالة واستثمر فيها، لتتسع وتلد بجناحها الذي يموله رامي مخلوف ميليشيا مسلحة، وتلد في الجناح الآخر الذي يرأسه علي حيدر ويحسب نفسه معارضة «وزارة مصالحة وطنية»