وجهتا نظر في الطائفية (2)
مجلة سنديان... مـجتمع الساحل بعيـونٍ أخرى

تعدّدت وسائل إعلام الثورة، من قنواتٍ فضائيةٍ وإذاعاتٍ وصحافة. وفي هذا الحقل الأخير ظهرت عشرات المجلات والجرائد التي عملت على مواكبة أخبار الثورة عموماً، أو في منطقةٍ محدّدةٍ حيث تصدر. وربما كان من الطبيعي أن تتشابه هذه الصحف، نتيجة اضطرارها لتناول المسائل نفسها، من أخبار القصف، وقصص الشهداء والمعتقلين، وتحليل الوضع السياسي للقضيّة السورية... إلخ. ومن هنا كان طريق التميّز بينها صعباً ويحتاج إلى كثيرٍ من الجهد، وهو ما نجحت فيه بعض هذه الجرائد والمجلات بالفعل.

ولكن طريق «سنديان» كان خاصّاً... فالمجلة، التي تصدر في الساحل السوري، وترفض تلقي أي دعمٍ مادّي أو تقني، أو مشاركة فريقها في دورات إعداد الإعلاميين في الخارج ـ نتيجة أسباب أمنيّة وسواها ـ قد أناطت بنفسها منذ البداية مهمةً عسيرةً جداً، وهي شرح مبادئ الثورة والتبشير بها بين أبناء الساحل، الذين وقع معظمهم تحت تأثير روايات النظام، وأوغلوا في تصديقها إلى درجة كونهم أداته الرئيسية والمعتمدة للقمع. كما محاولة نقل صورة مختلفة ـ ولو جزئياً ـ عن الساحل، وبعض أبنائه، للثوار في باقي أنحاء سورية. فالساحل يتنفس أيضاً، على حد تعبير المجلة، التي أعلنت عن مهمتها تلك في افتتاحية عددها الأول، فيما يشبه دليل عملٍ وبيان ولادةٍ. ونقتطف من هذا «المانفستو»:
«من وجعنا من قهرنا، من هون من السنديان العتيق، من الساحل طلعت سنديان. طيب مين نحنا؟ عراعير فورجية خونة، ولا منحبكجية شبيحة مجرمين؟ خيي من الآخر: نحنا معارضة... بس منحبك! منحبك إلك أنتا مو إلو! أنتا السوري شو ما كان توجهك.. بدنا نحكي معك شوي...

أخونا المعارض بكل سوريا: يمكن تأخرنا كتير لنحكي... الساحل مو متل ما أنت متخيلو.. ولازم تتعرف عليه لأنه هالمعرفة رح تفيدك كتير لقدام. أخونا المؤيّد (القاعد بالساحل خصوصاً) توجهنا الرئيسي إلك... حابين نحكي معك... نحنا أخوتك وأهلك، نحنا مو "حابين نعيش معك"... نحنا "ما فينا نعيش بلاك"... لنتواصل ونعمل شي يفيدنا كلنا سوا... قول الله».

وخلال ما يزيد على عامٍ من عمر المجلة، التي ظهر عددها الأول في آب 2012، عملت على الوفاء بهذه الرسالة التراجيدية بشتى الوسائل. ففي بابها الثابت بعنوان «خود وعطي» ناقشت «سنديان» أفكار أبناء الساحل العصابيّة عن الثورة، وحاولت تفكيك هذه الأوهام الراسخة الآن، والتي تدفع معتنقيها إلى القتل والموت في سبيل النظام. وعالجت قضية سحب الاحتياط العسكري والتطوّع في جيش الدفاع الوطني، فأطلقت حملةً لرفض الالتحاق بقوات الأسد. وفي ملفّات المجلّة سلّطت الضوء على الحراك الثوري في الساحل السوري، وعلى الصعوبات التي يعانيها نتيجة وجوده في بيئة معادية اجتماعياً. كما نشرت تحقيقاً عن مجزرة البيضا، وفق روايات بعض الناجين منها وبعض منفّذيها. وهذا الأمر الأخير ،غير المتاح لوسائل الإعلام الأخرى للثورة، هو ما نجحت المجلة في تقديمه مراتٍ، عبر حوارات أجرتها ـ بطريقة غير مباشرة ـ مع بعض ضباط وجنود الأسد العائدين إلى قراهم في إجازاتٍ قصيرةٍ أو بقصد العلاج من إصابات. كما في سلسلة التقاطاتٍ بعنوان «صور من العالم الآخر»، ترصد برهافةٍ مشاهد متنوّعة من الحياة في الساحل على خلفية الحرب ووصول الجثامين.

ومن هنا، ربما يصحّ النظر إلى «سنديان» بوصفها الصوت العلوي الأكثر صدقيّةً لتمثيل مشاعر أبناء الساحل السوري المؤيّدين للثورة، رغم أن فريقها لا يقتصر على العلويين،

إلا أنه يمثل همّهم بشكل أساسي. خاصّة وأن هذا الفريق مقيمٌ داخل سوريّة، ومعظمه يقطن ضمن الساحل، بخلاف التمثيل العلوي في المعارضة السياسيّة، الذي ربّما صار يشبه باقي المعارضين من طوائف أخرى، وفقد ـ إلى حدٍ كبيرٍ ـ الحساسيّة الدقيقة لمزاج بيئته الأم، نتيجة الإقامة الطويلة بعيداً عنها، أو لأسبابٍ أخرى.


مجلة «سنديان» شهريّة. غير مطبوعة، وتنشر فقط على صفحتها الخاصّة على الفايسبوك.