من مخيم هجين.. إلى الشعب الأمريكي في ذكرى 11 سبتمبر

وكالة أنباء هاوار

في (11 سبتمبر) أيلول الماضي، أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بدء المرحلة الأخيرة من معركتها ضد تنظيم "داعش"، وفق ما سمتها "معركة دحر الإرهاب"، للقضاء نهائياً على التنظيم في البقعة الأخيرة المتبقية له بين مدينة هجين وقرية الباغوز، في شريط يحاذي الضفة اليسرى لنهر الفرات، ويمتد على طول (30) كم تقريباً، وعرض (8-9) كم شرق دير الزور.

ومع تطور مجريات المعارك، استطاعت قسد السيطرة على قرية الباغوز، وأطراف بلدة السوسة ومدينة هجين، الأمر الذي جعل العشرات من العوائل تهرب باتجاه البادية الواقعة تحت سيطرة قسد. وبعد عشرة أيام من انطلاق المعارك، أنشأ "مجلس دير الزور المدني" -التابع لمجلس سوريا الديموقراطي- مخيماً بجوار قاعدة صغيرة للقوات الأميركية، تحت مسمى "مخيم هجين"، على بعد خمسة كيلومترات شرق مدينة هجين، لإيواء العوائل الهاربة من المعارك، والتي تجاوز عددها ال(300) عائلة.

في العاشر من تشرين الأول الجاري، شن تنظيم داعش هجوماً واسعاً، مستغلاً عاصفة غبارية ضربت المنطقة، مستهدفاً من جهة نقاط قسد في بادية هجين؛ ولشدة الاشتباكات في ظل غياب التغطية الجوية، تراجعت مجموعات قسد المنتشرة في تلك النقاط إلى القاعدة الأمريكية المتاخمة لمخيم هجين، فتابع التنظيم التقدم باتجاه القاعدة، وبعد معارك ضارية تدخل طيران التحالف الذي استهدف عدة سيارات للتنظيم، مما اضطر الأخير للتراجع إلى هجين- ومن جهة أُخرى سيطر التنظيم على بادية الشعفة، ودارت اشتباكات عنيفة في السوسة مع ميليشيات قسد التي هربت باتجاه الباغوز.

في اليوم التالي، ومع استمرار العاصفة الغبارية، استطاع تنظيم داعش السيطرة على المخيم، بعد استهدافه بعدة سيارات مفخخة، فأسر العديد من عناصر قسد، واقتاد العائلات المتبقية في المخيم إلى منطقة سيطرته، البالغ عددها (120) عائلة في أقل تقدير، جلّهم من النساء والأطفال والشيوخ. بالتزامن مع ذلك، تقدم التنظيم في بادية الشعفة، وقطع الطريق على مجموعات قسد المنتشرة في الباغوز، وتابع ليحاصر حقل التنك النفطي؛ وفي محور آخر أسر التنظيم عناصر من قسد في كمين قرب حقل العمر.

في اليوم الثالث، وصلت تعزيزات كبيرة لقسد استطاعت بغطاء جوي استعادة أغلب المناطق التي خسرتها، بما فيها المخيم، وفكت الحصار عن الباغوز وحقل التنك، بعد أن خسرت أكثر من ثلاثين عنصراً، ومثلهم من المفقودين، إضافة إلى عشرين أسيراً عرضهم التنظيم في بلدة السوسة.

بمراجعة ما جرى، نجد سلسلة من التخلي تبدأ بـطيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة "الإرهاب"، إذ تخلى الطيران عن إسناد مجموعات قسد القابعة تحت نيران تنظيم داعش في اليوم الأول للمعارك، لكنه حضر عندما اقترب التنظيم من القاعدة الأميركية. ويغيب الطيران نهائياً في اليوم الثاني، بالتزامن مع غياب القوات الأجنبية المتواجدة في ذات القاعدة، حيث أن القتلى والأسرى فقط من قسد، بل من المكون العربي داخل قسد، وهذا تخلي آخر من قبل المكون الكردي لقسد، وفي آخر السلسلة يأتي المدنيون في مخيم هجين، والذين تخلى الجميع عنهم.

تُرى ما الغرض من إنشاء المخيم على مسافة خمسة كيلومترات من منطقة سيطرة داعش! وتعريض المدنيين لخطر العمليات العسكرية المتعلقة بأي هجوم محتمل للتنظيم، أو قذائف مدفعيته؛ مع العلم بأن هذا المخيم ليس وحيداً، فللباحث أن يجد مخيمات أخرى قريبة أيضاً من قرية هجين، كمخيم "البعير" الذي يبعد ثلاثة كيلومترات فقط عنها، ويحوي أكثر من (100) عائلة، ومخيم غرانيج الذي يبعد عن سابقه (2) كم غرباً ويضم أكثر من (150) عائلة. ومن يتحمل مسؤولية مصير مئات المدنيين الذين اقتادهم التنظيم من مخيم هجين؟ وإذا كانت الروايات المحلية (بأن التنظيم أطلق سراحهم في مناطق سيطرته) صحيحة، فما مصيرهم رفقة المدنيين المتبقين هناك، وطيران التحالف يقصف المنطقة بمختلف أنواع القنابل والصواريخ التي لا تميز بين مدني ومقاتل!.

لم يكن تاريخ إعلان "معركة دحر الإرهاب" مصادفةً، فالمعارك بدأت في العاشر من أيلول/ سبتمبر، لكن الإعلان عنها جاء في (11 سبتمبر)، ذكرى هجوم "تنظيم القاعدة" على برجي التجارة العالمية. والولايات المتحدة التي فقدت الكثير من المدنيين حينها، تغامر بالمدنيين السوريين اليوم؛ تقصفهم دون وازع في حربها على "الإرهاب"، وتتركهم لقمةً سائغةً للإرهاب حين تهمّ بالانسحاب.